عزيز الساعديعلمنا من مصادر في اللجنة المالية البرلمانية بأن قانون التقاعد الموحد سوف ينفذ في الأول من كانون الثاني المقبل عام 2013 وأن سن التقاعد المعتمد هو 60 عاماً بدلاً من 63 الوارد في قانون التقاعد الموحد رقم 76 لسنة 2006 وتعديلاته باستثناء أساتذة الجامعة والقضاة. ويتضمن القانون الجديد زيادة الرواتب وتخفيض الضمان الصحي والتعامل مع الشهادة التي حصل عليها الموظف أثناء الخدمة ومكافأة نهاية الخدمة وطرق احتسابها. ويتضمن القانون أيضاً مشروعاً طموحاً هو لشمول العراقيين كافة فوق سن 30 عاماً مع زيادة راتب التقاعد ليكون ضماناً اجتماعياً للفرد العراقي ومساواته بالفرد الأوروبي من ناحية الدخل!! إلى هنا تنتهي لائحة طموحات قانون التقاعد الجديد – القديم.
ونحن نسأل هل هذا كثير على العراقيين الذي تبلغ ميزانية دولتهم من النفط فقط مئة مليون دولار سنوياً؟ هل نصدق هذه التصريحات حول القانون الجديد للمتقاعدين؟ لقد شبعنا آمالاً وافتقرنا حالاً – حتى البطاقة التموينية التي لم يجرؤ صدام على قطعها، يهددون الناس الذين لا يأكلون بقطعها عنهم، لكننا نردد الحكمة القائلة "بعض الأحلام تتحقق وبعضها لا يتحقق.. لكن المهم أن نواصل أحلامنا".هل بمستطاع مسؤولين على شاكلة مدير هيئة التقاعد الوطنية أن ينفذوا أحلام قانون التقاعد الجديد؟ لأن العبرة ليس في تشريع القوانين وإنما العبرة في تنفيذها من قبل مسؤول مؤمن بالله وبوطنيته وليس بطائفته أو قوميته / الدين الله والوطن للجميع/ وإليكم مثالاً عملياً على عدم مبالاة المسؤولين في هيئة التقاعد الوطنية بمعاناة المواطنين وهمومهم الشرعية والقانونية.عند إحالتي إلى التقاعد بعد خدمة قضيتها في القضاء مدة أربعين عاماً رفض مدير الهيئة منحي الراتب التقاعدي بحجة أني لا أملك السند القانوني لإعطائي الراتب التقاعدي ( انظر مقالتي المنشورة عن هيئة التقاعد الوطنية في جريدة طريق الشعب – الأحد 27 / 5 / 2012). فإذا كان شعار القضاء هو "العدل أساس الملك" فهذا الشعار العادل هو الذي يجب أن يطبق على كل القوانين الصادرة التي سوف تصدر والتي تمس حقوق الناس وبالذات "الغلابة والمساكين" الذي هضمت وضاعت حقوقهم رغم تضحياتهم الجسام في بناء الوطن ومنهم "المتقاعدون". دعونا الآن نكشف الأوراق وننطلق برحلة عبر قوانين التقاعد الصادرة والتي سوف تصدر.ما هو المتقاعد؟ وهل يتمتع بحقوق المواطنة؟ وهل له حق على الدولة؟ ولماذا لا نحتفل بيوم المتقاعد؟ هذه الأسئلة علينا الإجابة عليها قبل الشروع بالإجابة عن مظلومية المتقاعدين.من هو المتقاعد؟ لقد عرف قانون التعديل الأول لقانون التقاعد الموحد رقم 27 لسنة 2006 وتعديلاته المتقاعد كونه الموظف الذي يستحق الراتب التقاعدي بالفقرة د من المادة أولاً :" كل شخص عهدت إليه وظيفة داخلة في الملاك المدني أو العسكري ... ويتقاضى راتب الدولة وتستقطع عنه التوقيفات التقاعدية...ثانياً: تتم إحالة الموظف إلى التقاعد في حالتين:إكماله 63 من العمرإذا أقرت اللجنة الطبية المختصة عدم صلاحيته للخدمة وبعد الثالثة والستين حسب الفقرة ثالثاً يجوز تمديد خدمة الموظف لمدة ثلاث سنوات مع مراعاة ندرة الاختصاص.وبناءً على ذلك فإن الموظف هو الذي يفني زهرة شبابه في الخدمة وعندما يصل إلى الثالثة والستين ويصبح شبحاً فيحال إلى التقاعد ويعطي الراتب التقاعدي بدون المخصصات – الراتب الاسمي فقط حسب ما جاء بالمادة أولاً فقرة هـ ( الراتب الاسمي بدون مخصصات الذي يتقاضاه الموظف في الخدمة) وما يأخذه في الحقيقة هو 80 % من الراتب إذا كانت له خدمة فوق الثلاثين عاماً. ومن هذا نستنتج بأن الطبقة الوسطى من مدراء ومهندسين وأطباء وأساتذة جامعة والدرجات الدنيا للموظفين والعمال وصغار الموظفين سوف يساقون عمداً إلى عتبة الفقر والجوع والحرمان والمرض لأن رواتبهم لا تكفي "إيجاراً للبيت". وأنا أعرف مفتشاً تربوياً قضى أكثر من أربعين سنة في التعليم وخرّج أطباء ومهندسين وأجيالاً من المثقفين لكونه أحد أعمدة الثقافة في العراق وهو القاص والروائي والمعرفي المرحوم الأستاذ محمود عبد الوهاب كان يتقاضى راتباً تقاعدياً قدره 400 ألف دينار عن خدمته الطويلة وكان يدفعها جميعاً إيجاراً للشقة التي يسكنها أما كيف يدبر المأكل والملبس وحاجاته الأخرى فعلمها عند الله ولا أعرف هل هو من سوء حظه أم من حسن حظه أنه لم يتزوج ولم ينجب أطفالاً وأبناءً في المدارس والجامعات. وبالغور داخل أعماق نفسية المتقاعد فحتماً أنه يشعر بالحرمان والذل والمهانة والظلم من قبل الدولة وقوانينها الجائرة التي خدمها شاباً وقذفت به شيخاً يفتقد كرامة العيش الكريم مخالفة بذلك أبسط الحقوق الإنسانية والشرعية التي نص عليها الدستور العراقي في مادته 30 ثانياً:" تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو التشرد أو البطالة وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة وتوفر لهم السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم وينظم ذلك بقانون" ونتيجة للخوف من الفقر والفاقة ما بعد التقاعد فإن الكثير من الموظفين ضعاف النفوس يعدون العدة لذلك فيتطاولون على المال العام ويتقبلون الرشوة ويبتزون الناس بحيث يصبح الفساد الإداري سرطاناً ينتشر في زوايا مؤسسات الدولة كافة. عندئذ لا يشعر المواطن بروح المواطنة وإنما تتفشى المحسوبية والطائفية والعشائرية والقومية وتفتقد الهوية الوطنية وتفرغ قوانين الدولة من مضامي
المتقاعدون وغربتهم في متاهة القانون
نشر في: 5 أغسطس, 2012: 06:23 م