احمد المهنا"القلق من سوريا"، وهو غير "القلق على سوريا"، يُدخل العراق طرفا في الحرب الباردة الاقليمية والدولية الدائرة حول بلاد الشام، ويسهم في تكريس الطابع الطائفي للقضية السورية. وهو الطابع الذي يشكل مصلحة حيوية لنظام بشار الأسد.
ذلك أنه يوسع دائرة تأييد الشيعة له في الخارج، ويشد من تماسك الطائفة العلوية في الداخل. ان القضية، كل القضية، بالنسبة الى بشار هي الاحتفاظ بالسلطة. ولا يهم بعد ذلك ماهية الوسائل: وهي العنف في الداخل، والتحشد الطائفي في الداخل والخارج، والتبعية لمصالح طرف ضد آخر من مصالح الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن.ولكنْ في الحساب الأخير للحقيقة فإن ما هو "مصلحة حيوية" لحكم بشار، يمثل "تهديدا حيويا" للطائفة العلوية في سوريا، لأنه يضعها في مواجهة عنيفة أو حرب اهلية مع الأغلبية السنية المحلية، ويطيل من امد هذه المواجهة باهظة الكلفة، كما أنه يقوض فرص التعايش السلمي بين طوائف سوريا في المستقبل. والطائفة في كل ذلك هي وقود معركة الدكتاتور من أجل سلطته. اي ضحية هواه الحاكم المسيطر. فهو شأن أي دكتاتور لا يمثل في النهاية الا نفسه.وما ينطبق على الطائفة العلوية في سوريا، في شرطها هذا كضحية، ينطبق أيضا على الشيعة في كل مكان. فهم ايضا، في حال الاصطفاف مع بشار، مطلوب منهم أن يكونوا وقودا في المواجهة الاقليمية والدولية الكبرى بين ايران وتوابعها من جهة، وبين سائر العرب والغرب من جهة أخرى. الأمر الذي يضع الأقلية الشيعية في العالم كله في مواجهة مع الأغلبية العالمية الساحقة، من سنية ومسيحية، الى تقليدية وحديثة. وبعبارة أوجز تضع الشيعة ضد العالم، وتحوِّل مذهبهم الى عقيدة ارتياب من العالم.وفوق ذلك كله فان تطييف السياسة كلها في عالم الطائفة يمزق النسيج الشيعي ذاته. ذلك أن بشر المذهب الشيعي، شأن بشريات المذاهب والأديان الأخرى، ليسوا نغما واحدا تمثله قوى الاسلام السياسي الشيعي، وانما هم أنغام متعددة شأن اي مجموعة بشرية أخرى، فيها القومي والوطني والديمقراطي، المتسامح والمتعصب، والأغلبية الصامتة عن السياسة. فيها الأغلبية التي تعيش وتطلب حياة معلمنة، يُقدَّس فيها الدين كما تُقدَّس فيها الحياة سواء بسواء.وبالنسبة الى العراق، فان "القلق من سوريا" في الأوساط الشيعية هو أسوأ انواع القلق. ذلك أنهم الأغلبية الساحقة التي لا يخشى على نصيبها من السلطة والثروة في اي نظام ديمقراطي. وهذا النظام هو الحاكم بموجب الدستور الدائم، والمفروض أن يكون حاكما كذلك في الأمر الواقع. فالقلق قد يكون له باب وجواب بين العلويين في سوريا، على فرض انهم نغما "بشاريا" واحدا، أو اقلية فرصها موقوفة على الدكتاتور. وليس الأمر كذلك، لأن الدكتاتور نظام فرد وليس نظام جماعة.ان "الفزع" من سوريا الغد، الذي تنشره بعض أوساط شيعة السلطة العراقية، ينسف كل ادعاءات الديمقراطية، ويغذي الانقسامات المحلية ويلهب نيرانها، ويضع في المحصلة العراق مع سوريا بوصفه قلعة شيعية أخرى مهددة من المد السني المدعوم عالميا. وهذا أسوأ ما تفعله شيعة السلطة بنفسها خصوصا، وبشيعة العراق عموما.ليس لدى الطوائف والإثنيات، ولا لدى الأفراد، ما يخشون على أنفسهم منه في الديمقرطية. وبخلافها كل المخاوف في محلها.
أحاديث شفوية: أسوأ أنواع القلق
نشر في: 6 أغسطس, 2012: 09:51 م