اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > إبراهيـم الحجـري يكتـب سيـرة جيـل يشـقـى بـوعـيـه فـي "اسـتـثـنـاء"!

إبراهيـم الحجـري يكتـب سيـرة جيـل يشـقـى بـوعـيـه فـي "اسـتـثـنـاء"!

نشر في: 18 أكتوبر, 2009: 04:45 م

هشام بن الشاوي. المغربعن منشورات "مقاربات"، وضمن سلسلة إبداع صدرت الأضمومة السردية للكاتب والباحث إبراهيم الحجري، في طبعة أنيقة اختار لها كعنوان : " استثناء"، تجمع بين القصة القصيرة و فن الـ (ق.ق.ج) المخاتل، وسنركز في هذه الورقة على القصة القصيرة، أو بعض القصص التي تشكل وحدة عضوية ونفسية.
يستهل إبراهيم الحجري مجموعته القصصية بقصة "النظر من تحت"، التي يشي عنوانها بانحياز القاص إلى العوالم السفلى المهمشة، و للتعبير عن انكسار الذات و تشظيها وظف فنيا العناوين الفرعية و لجأ إلى تكسير خطية السرد، مستعملا ضمير المخاطب.. الحداثي بامتياز، الذي نادرا ما يستخدمه الكتاب عكس ضمير المتكلم أو الغائب، وهو- أيضا- يفضح غربة الذات عن نفسها و محيطها، فلا تجد من تخاطبه غير أناها. الشخصية تهرب من المدينة إلى البادية / الهامش رغم قسوة الطبيعة، والسنوات العجاف.. منسحبا من مسرحية المركز التي لا دور له فيها، هاربا من سؤال الكينونة الذي يطارده مع انزلاق العمر نحو هاوية الضياع.. هذا الوعي الشقي يتجلى بوضوح في قصة "مثل هذا الحشر"، حيث يذهب السارد كغيره من الطلبة لاستطلاع نتائج الامتحانات، ويبدو غير عابئ بالنجاح أو الحصول على الشهادة الجامعية.. كأنه الخوف من المجهول/ المستقبل، من أن يلقى المصير المأساوي نفسه لزميل الدراسة الذي كان يتبنأ له الجميع بمستقبل سياسي باهر، فانتهى به الأمر إلى أحد بؤساء حي صفيحي، يفتقد أبسط شروط الحياة الكريمة (قصة "وجهه في السوق")، ولأن معظم أبطال القصص سلبية، مكبلة بعجزها، لا يجد غير اقتراح الأم حلا/بديلا أو نصف حلّ في واقع مزرٍ لا يرضى بأنصاف الحلول، رغم رفضه المسبق للفكرة، ويقبل أن يفرش بضاعة كاسدة في السوق الأسبوعي، حتى لا يجد نفسه مراقبا مثل بطل قصة "الويلات"، الذي هرب- بعد التخرج- إلى البادية "حيث تعوي أسئلة الضياع والويلات"، فالمدينة تلفظه... ولن يجد غير الحافلة يستقلها مثل السويحلي في "مقام آخر الزمان" صوب عبدالله أمغار أو كما عرف تاريخيا باسم مدينة "تيط"، لكن الإحساس بالغربة سيتفاقم، مثلما حاجته إلى بعض السلام الداخلي، رغم كل الصخب والاحتفالية، سيتحاشى تلك الفتاة التي تحسه غير راغب فيها، يفضل رفقة البحر وعشق المكان.. لبؤسه وخواء جيبه ووعيه الشقي الذي يكرس المأساة، وليس ولعا بالمكان كما السياح !. إن شخصيات القصص محاصرة بالخيبة والفشل، حتى لو فكرت في البحث عن فرصة عمل في بلد آخر (قصة "فضفضة على هامش تريبولي")، وعجز الشخصية وسلبيتها سيتجلى بوضوح في قصة "زفاف بول هوراس". السارد يجد نفسه غير مدرك لوقوعه في كمين الأنثى/ زميلته في الجامعة التي تتودد إليه أكثر، حين علمت أنه صار معلما -ولو في قرية- ومازال أعزب، وفي البيت تتحدث مع أسرتها عن شؤون زفافهما، وكأن الأمر لا يعنيه، ولا أحد يطلب منه رأيه، وهو الغارق في ارتباكه وخجله، وحين فطن إلى تورطه، وحاول الانسحاب، كانت "خبرة" الأب له بالمرصاد !... يلاحظ حضور قوي لمدينة الجديدة وأحيائها وشواطئها وصيفها، لكن صيفها يعمق معاناة الشخصيات غير الفاعلة و يطردها خارج الحلبة/إلى الهامش/البادية، حيث تتواطأ قسوة الطبيعة والمناخ مع "جفافها" العاطفي والحياتي ودونيتها. ومن النصوص التي شدتني أكثر في المجموعة "عيد ميلاد فاطمة"، وهو نص رثائي لأخت الكاتب.. نص طافح عذوبة و حزنا شفيفا، أيضا ينعكس سحر الطفولة وبراءتها ونقائها على قصة "العم البهجة"، ولا ننسى "امرأة فوق طاولة"، وإن لم أستسغ -ربما هي عقلية/عقدة "مصطفى سعيد"(بطل الطيب صالح)- أن يعشق إيطالي امرأة مغربية، أن يعشق دجون شميسة، ويبحث عنها بلهفة، عن نقش اسمها على طاولة لم يعد لها أثر كمقاهي كورنيش الجديدة، أما قصة "ضربة حظ" فلها ألق خاص، فقد سبق وقرأتها في الملحق الثقافي لجريدة حزبية تم إجهاضها، وكانت المنبر الوحيد الذي احتضن عدة مواهب تسعينية، كنا نتلهف على صدورها يوم الأحد- وبفرح البدايات... ذات بهاء، ونقصد المقهى الشاطئي الذي لم يعد له أي أثر!.. ومع تكاثر المنابر الورقية والإلكترونية، التي تجمعنا بأصدقاء البدايات، لم يعد للنشر أي طعم، فقط... صرنا غرباء، ولا نفرح بقراءة نصوص الأصدقاء، ربما، ببرود قد يخبرك أحدهم أنه قرأ لك- بالمصادفة- في الجريدة أو المجلة الفلانية، دون إبداء رأيه، لعلي خرجت عن الموضوع، لكن تلك المتعة التي افتقدتها استعدتها/عوضتها متعة وصف الصباحات في القرية أو البادية في "استثناء" إبراهيم الحجري، وبلغة تصويرية تهيج الحواس كافة، تجعلك مأخوذا بعبق دكالي آسر... ختاما، لا يسعني إلا أن أشكر القاص إبراهيم الحجري، لأنه أعاد إليّ بعض زمن البهاء.. وان كانت ورقتي غير منصفة، لكن -أحيانا- تجد نفسك عاجزا عن الاستفاضة في الكتابة عن النصوص الجميلة، أوليس الصمت أمام الجمال عبادة؟.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram