TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > اقتصاديات: ثقافة الاستهلاك

اقتصاديات: ثقافة الاستهلاك

نشر في: 8 أغسطس, 2012: 09:06 م

 عباس الغالبي لاشك أن المجتمعات المتطورة التي تجاوزت مستويات الفقر وشقيقه الفقر المدقع تتمتع بثقافة استهلاكية تقنن التعاطي مع حاجاتها الأساسية من السلع والبضائع ولاسيما الاستهلاكية منها.ويذهب الكثير من المتابعين إلى توصيف العراق بالبلد الذي يمتاز بثقافة استهلاكية سلبية تتجه للإفراط في التعاطي مع السلع والبضائع، وهي في طبيعة الحال مبررة لأسباب متداخلة ومتجذرة في المجتمع،
ولم تأت وليدة الصدفة أو جاءت في خضم تداعيات مرحلة بعينها، بل تعمقت وأصبحت ظاهرة لافتة للنظر نتيجة تراكمات كثيرة ولمراحل زمنية متعددة، حيث خرج المجتمع للتو من إرهاصات حقب زمنية استبدادية تصاعد خلالها الخط البياني لمستويات الفقر، وارتفعت نسبة طبقة الفقراء بشكل تصاعدي وصلت ذروته قبيل عام 2003.وكنا نمني النفس ان يعمل النظام السياسي الجديد على خفض نسب الفقر من خلال البرامج التي تستهدف تلك الشريحة المجتمعية ترافقها استراتيجيات اقتصادية وخدمية تضع العلاجات الناجعة للظواهر السلبية في الاقتصاد، وتعمل على إيجاد إصلاحات هيكلية وبنيوية، وعندها يمكن أن نشذب المجتمع بجميع فئاته وتوجهاته من الاستهلاك المفرك غير المقنن، ولكن ما جرى بعد عام 2003 أن العراق اتجه وبحكم النظام السياسي المرتبك حينها إبان سلطة الائتلاف المؤقتة، نقول اتجه إلى اجراءات ترقيعية درج عليها الحاكم المدني الأميركي السابق للعراق بول بريمير، ويقيناً بأنها بتوجيه مؤسساتي أميركي وليس من بنات أفكاره، حيث لم يوفق في هذه الإجراءات بالمرة، وظل الوضع المرتبك على حاله من دون ادنى معالجات، وانعكس ذلك على المشهد الاستهلاكي في العراق. ولأن الثقافة الاستهلاكية هي منظومة متكاملة مترابطة ومتكاملة مع عناصر المشهد الاقتصادي الأخرى، فأن الوضع غير الطبيعي بعد عام 2003 لم يساعد على تغيير هذه الثقافة بالشكل الذي يجعل من التقنين والتحديد والحاجات الملحة ثقافة سائدة وليدة لتغييرات اقتصادية واجتماعية وسياسية في المجتمع العراقي، كما أن حالة العنف التي اجتاحت العراق ولدت ظواهر مجتمعية جديدة قديمة ألقت بظلالها على المشهد الاستهلاكي، وكانت الثقافة الاستهلاكية تتأثر كسائر الثقافات الأخرى بهذه المتغيرات السياسية ومن ثم المجتمعية والاقتصادية.ولكن ما يعنينا الآن أن نتجه إلى تجسيد ثقافة استهلاكية قادرة على التأثير على عملية العرض والطلب والتعامل مع السلع والبضائع بشكل متوازن يؤمن الحاجات الملحة وصولاً للاكتفاء الذاتي، وان كان الأمر تكتنفه الكثير من الصعوبات فانه في الوقت ذاته يتطلب تضافر جهود الجميع من مؤسسات حكومية وإعلامية ومنظمات مجتمع مدني مع الأخذ بنظر الاعتبار معالجة حالات الفقر والبطالة وديمومة زخم القدرة الشرائية الجيدة للمستهلك.ويقيناً أن التركيبة المجتمعية في العراق قادرة على إشاعة وترسيخ ثقافة استهلاكية يحتذى بها من قبل مجتمعات أخرى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram