TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > داخل حسن .. في حوار ينشر للمرة الاولى

داخل حسن .. في حوار ينشر للمرة الاولى

نشر في: 18 أكتوبر, 2009: 05:22 م

كمال لطيف سالماي نوع من التحليق النفسي يمكن ان يحدثه فينا الغناء وما عمق النشوة الحاضرة التي يعمقها الصوت الجميل، فالاذن الحساسة والحس المرهف يمكن ان يقف عند هندسة الاشياء المعمولة باتقان واضح او تلك التي تعمل بطريقة عشوائية هي اقرب الى الهلوسة فتحدث الصدمة والنشاز
 ولكن هنا نسير على خطى الاصوات الجميلة والمعبرة والخالدة صوت داخل حسن الذي يحمل صوته نبرة ونكهة هي نسيج متكامل من صورة الانسان الريفي الذي لايجد متنفسا له سوى الغناء فقد خلق غريدا في حنجرته كل المواصفات وفي ادائه كل الروح الجياشة التي تفيض في النفس الهفهافة المتطلعة لكل ماهو جميل وانيس..ان الفنان داخل حسن عندما يغني يشعرنا بالفة مع الاشياء كلها، فهو يحمل في صوته رائحة القصب وعبق الشلب وطيبة الارض.صوت داخل حسن لم يجد صعوبة في الظهور وصعود سلم الشهرة اذ ان الشهرة كانت معدة له سلفا وبانتظار مكانه الذي شغله لسنوات عديدة بجدارة المطرب الواثق من خطواته..وفي بداية التسعينيات التقيت معه في دائرة الاذاعة كان كما عهدته يرتدي العقال والدشداشة.. وله النفس التي عهدته بها،، جلسنا على ما اذكر في كافتيريا الاذاعة وعندم شاهدني نهض وشد على يدي وقال،، افيش ياريحة هلي..كان الجميع ينظر الينا بدهشة وانبهار داخل حسن بدمه ولحمه يجلس هنا يتحدث بهذه البساطة.. كيف لا وهو ابن عائلة كادحة وقلب اتعبه التجوال والعشق..قلت له مداعبا: ابا كاظم؟.امسك يدي وحركها كمن يقول لي.. لا اريد الحديث. ولكن هو كان يعرفني مشاكسا في حواراتي لاسيما واني التقيت معه في جلسات خاصة في الناصرية،، وقد غنى لي اعذب ما غنى وذات يوم غنى ..ياكمال بطل نوح نوحك شيفيدك؟.وهنا اسكته وقلت له.. لاتقل كمال بل قل حضيري.. قال بعفوية صادقة.. خويه حضيري راح وانت حاضر جدامي.قلت معابثا له: لماذا لانقضي الليلة في التسكع والغناء في اي مكان في بغداد؟..نظر اليّ بحذر وقال: انا اخاف منك انت مغامر عنيد اريد انهي مهمتي واعود الى الناصرية.استسلمت له لانه كان عبثيا في غنائه وفي شربه ولم يكن عبثيا في تسكعه وتعرضه لصنوف من المصادفات التي قد توقعه في موقف حرج..كان احدهم قد دعاه،، فنهض معتذرا ولكنه اصر على ان انتظره قال (خويه لاتعوفني)؟.وضعت فمي في اذنه وقلت: انا في انتظارك يا اباكاظم.. هنا انقشع الغيم عن وجهه وقال:وعد.قلت له وعد ووعد الحر دين!.ثم غاب لساعات طويلة لم اكن ادرك اين كان ولكن عاد في جيبه مال كثير.. وضعه امامي وقال: -ابو كميلة خذ ماتشاء.قلت له: دع المال في جيبك وقل لي ماحدث؟.-حاول ان يبكي ولكن ثمة دمعة حبيسة كان تعتلج في داخله قال:كنت احلم ان المطربين يغنون بحضرة الملوك والحكام.. ولكنني لم ادرك يومها انني سأغني بحضرة حاكم يخافه الناس؟.حاولت استفزازه قلت:وماذا فعلت؟حدّق بي وفي نظراته مسؤولية يواصل في تمنعه ان احافظ عليها وغايتي ان اوصله الى مراده.ابتسمت في وجهه وقلت، تحدث- ابا كاظم، لك مطلق الحرية فيما تقول.جرع شيئا من الشاي وازدرد ريقه وقال بتلعثم واضح:كنت ارتجف غير مصدق، وقد ارغمت على تناول  شيء منعش كادت تلعب في رأسي قال بصوته الجنوبي لائج غنيت يابو كميلة وناح وغنى:بجيت وزادن اجروحي ولامايعلى الماصار الي وياهم ولامايلاهو دم دمع عيني ولا مايلاجن روحي تذوب وتعن عليّحاولت دغدغة مشاعره واخرج مسبحته قلت له معابثا:لا اذهب معك الى البيت؟.قل متوسلا ومعاتبا..ابو كميلة اريدك دوم خويه ولا رايومحد يحدني عليك ويصدني بلا راياستجبت له وركبنا في محطة (علاوي الحلة) كان داخل حسن متعبا اذكر انها كانت ساعات محسوبة ان انقله في قفص في الاذاعة الى مدينته حيث يتنفس الصعداء، كان متعبا وقال لي:هيا يا ابو كميلة.سحبته كما لو اني اسحب شيئا ثمينا وقد اثقلني تعبه وركبنا وسار بنا الضعن كما يقال.. وقلت له وماذا بعد.ذهب الشباب فما له من عودةواتى المشيب فأين منه المهربقلت له: هل كنت ناجحا مع النساء؟.ادار وجهه خجلا وقال: لقد اضعت فرصا كثيرة، كانت النساء يعيدني صوتي ولكنني كنت مسطورا على الدوام؟.هل انت نادم على شيء ما؟.تلمض شيئا في فمه وقال:انا نادم على كل شيء اضعته ولو عاد الزمان لمنحته ما اريد، او على الاقل لتركيب حياتي كما ينبغي لها ان ترتب.قلت له.. كيف يكون ذلك!قال:اعشق بشكل جميل اشرب بشكل جميل اغني بشكل جميل. ولكن كل ذلك لم يتحقق ابدا غنيت بعذاب وعشقت بعذاب وعشت بعذاب.الا تعتقد ان تلك لعبة حظ ام جنون؟كلا ذكاء وحظ لا اكثر وقد امتلكت الاثنين ولم استغلهما.والان ماذا تريد!؟ابغي الرحيل بهدوء ثم نام وكان الليل وحده بعتمته وصمته يغني لداخل حسن..ذهب الشباب شبابك راح ماله بعد عادةثم غاب الصوت ونام على مخدة حجرية استراح عليها.. وكان الطريق يمضي كما هي عجلة القطار التي تتسارع تارة ثم تخفت على حين، لقد رحل كل شيء وبقي الصوت صوت داخل حسن..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram