عواد ناصرفي منتصف السبعينات، وفي اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين التقيت فهد الأسدي، أول مرة، وكنت قرأت له مجموعته القصصية "طيور السماء" وقصة قصيرة نشرها في مجلة الشيوعيين العراقيين (الثقافة الجديدة) بعنوان "وجه الكلب" التي أثارت ما أثارت وقتها حتى أن القراءة البعثية الثقافية، آنذاك، حسبتها ضد السلطة، فمن غيّرها، حسب ما قالوه، يشبه "وجه الكلب" الذي جرى في لهجتنا الشعبية العراقية شتيمة ضد من لا يشبه وجه البشر.
كان فهد الأسدي كاتباً مسكوناً بالتغيير عبر "صناعة الجمال" في كتاباته ولم يمتلك وسيلة، غير هذه الصناعة، في خوض معركته الشخصية من أجل التغيير، ومكافحاً باسلاً ضد الدولة الشمولية وألاعيبها العنفية ضد معارضيها، سواء من داخلها أم من خارجها، وهذا ديدن دولة السرداب الأمني التي صعدت من سراديب المؤامرة إلى قيادة الدولة.بسالة فهد الأسدي لم تكن عبر الراية والشعار والهتاف إنما عبر "صناعة الجمال" التي آمن بها، مبكراً، لأنها صناعة تختزن طاقة تعبيرية كافية لمواجهة "صناعة القبح" على ما امتلكته، وما زالت، من طاقات مهولة لا تبدأ بإعلام الدولة الأمنية ولا تنتهي بتزوير شهادة الثانوية لطالب ساقط كي يعبر إلى صفوف الجامعة ومن ثم الحكومة!لقائي بفهد الأسدي، ذاك، رسخ عندي إعجابي بثقافته الثقافية والاجتماعية مشفوعة بفكاهة أخاذة وسرعة بديهة منقطعة النظير وحضور شخصي لامع في جلسة اتحادية محاطة بالمخبرين وكتاب السلطة ومحرري صحافتها الرسمية.كلمتي، هذه، ليست قراءة نقدية لأعماله الإبداعية وهي كثيرة، ينبغي أن يتولاها ناقد موضوعي، وأنا لست موضوعياً لأنني أحب فهد الإنسان والكاتب، إنما هي وقفة أمام مصير مبدع عراقي أعطى زمنه الشخصي معنى أن يكون المثقف مع المستعبدين في معركة الحرية.الأسدي لم يأخذ ما يستحق من مكانة حتى في ميدان النشر والدراسة ولم يقدم كوجه إبداعي في ميدان القصة القصيرة والرواية كما تمتع آخرون لا يبلغون موهبته وجدارته في التصدر والرواج.سيكون أي اقتراح بشأن رعاية المبدع العراقي مضحكاً في دولة الفساد والطائفية، دولة الإهمال المتعمد لكل ما لا يمت بصلة للحكومة والبرلمان وحاشية السلطان، أو أكثر من سلطان الزمان العراقي الراهن، دولة تسخر من مفردة "مثقف"، بل هي تخشاه مثل ذلك الألماني النازي، وزير إعلام هتلر الذي قال: "كلما سمعت كلمة "مثقف" وضعت يدي على مسدسي.المفارقة هنا، هي أن دولة صدام حسين كانت تبذخ على مناصريها ومؤيديها والمطبلين لها، من العراقيين والعرب والأجانب، وتمنح الجوائز السخية والمكرمات الباذخة لهم، بينما المثقفون العراقيون الذين اصطفوا مع الناس وعبروا عن أوجاعهم العميقة وأشواقهم الحائرة للحرية والتحرر من ربقة الدولة الفاشية السابقة لم يجدوا أي اهتمام يذكر من قبل من يدعون أنهم يبنون "العراق الجديد".لالالا، نحن لا نستجدي ولا نطلب مكرمة ولا رشوة مالية مقابل ما قدمه مبدعونا من تضحيات أملتها ضمائرهم النقية بلا مقابل، ودفعوا أثماناً غالية في العهد السابق والأسبق، والأسبق أيضاً، بما لا يمكن مقارنته بما قدمه أي وزير أو عضو برلماني، حتى رئيس الوزراء الحالي نفسه.من المخزي أن تهدد حياة مبدع عراقي، مثل فهد الأسدي، بينما ينعم الكذبة والأميون وحملة الشهادات المزورة واللاعبون على الحبال العشرة بالترف كله والأضواء كلها التي تفضحهم أكثر مما تقربهم من أنفسهم أو من مشاهديهم، في وقت صار الوطن في مهب الأكذوبة الجديدة/ القديمة: جئنا لنبقى.لفهد الأسدي الرائد السردي المثقل بالطيور والبردي والهور الذي منحنا بهجة الجمال الخاص في نصوص مدهشة نقول:سلامات فهد الأسدي.سلامات "حلب بن غريبة".سلامات طيور السماء.
سلامات فهد الأسدي
نشر في: 10 أغسطس, 2012: 05:16 م