هاشم العقابيربما قرأتم أو سمعتم عن قيام رئيس وزراء بريطانيا بزيارة أولمبياد لندن بواسطة مترو الأنفاق كي يشجع الشعب على استخدام وسائط النقل العامة من اجل تخفيف الزحام. وقد قرأت لكاتب عراقي إعجابه بهذه الخطوة المتواضعة التي، بحسب رأيه، لا يجرؤ أي حاكم عراقي أو عربي على الإقدام عليها.
أنا معه في ذلك وأيضا في توقعه أن مثل هذا الأمر لو أقدم عليه المالكي مثلا، لقلب المطبلون الدنيا ولنادوا بتحويله إلى عيد وطني. وكيف لا وفينا، كما يلمح الكاتب، من يعتبر مجرد الوعد الذي يطلقه الحاكم، حتى وان لم يتحقق، واحدا من "انجازاته" الكبرى، على غرار منجز "ما ننطيها" العظيم الذي جعل أرضنا قبل سمائنا تمطر كهرباء وماء وأمنا وافرا على العراق وأهله!بعد أن أنهى رئيس وزراء بريطانيا رحلته تلك، نشر صورة له، على موقعه في تويتر، يظهر فيها جالسا بين سيدتين في عربة المترو. لقد نشرت صحيفة الغارديان اللندنية تلك الصورة على موقعها الالكتروني وطلبت من القراء كتابة توقعاتهم عما كانت تفكر به السيدتان. وعسى عينكم ما شافت!جاءت التعليقات مليئة بالسخرية من هذه الخطوة الاستعراضية ومستهجنة تحويل وسائط النقل العامة إلى محطات للدعاية السياسية. احد المعلقين قال انه يحمد الله انه ابن امة تجيد الضحك على من يحاول الضحك عليها. لا يمكنني نقل كل تلك التعليقات التي تكشف وعي البريطانيين وحرصهم على حماية ديمقراطيتهم من السرقة، لكني ادعوكم لزيارة موقع الصحيفة لتستمعوا بها ولتشموا فيها عطر الحرية النقي:الشعب الذي لا يسخر ممن يسخر منه لا يتقدم ولا يحقق نصف ميدالية "تنك" لو ظل يرفس بيديه وقدميه مليون عام. لقد سهل على صدام حسين أن يملأ ارض العراق بالمقابر الجماعية وان يشتت خيرة أبنائه بالمنافي لأنه حين بدأ يضحك علينا لم يضحك عليه إلا القليل القليل. اذكر مرة انه زار قرية فذبحوا له الذبائح ونصبوا القدور. مسك صدام "جفجيرا" ضخما وصار يخوط به احد القدور الفخمة ثم طلب أن يناولوه شيئا من الملح فرماه وسط القدر، فعلت الهلاهل وتصاعدت الرقصات وسارع الشعراء لكتابة الأغاني عن ذلك المنجز الكبير. انه مجرد "صمّ" ملح يا ناس!وقبل أشهر نشر احدهم صورة للسيد المالكي قد فرش سجادته ليصلي فعلق تحتها ما معناه انه القائد المتواضع المؤمن المتسامح المنقذ الذي لا يصلح للعراق غيره. لماذا؟ لأنه، مثل باقي الناس، يصلي على سجادة! اذكر أن لنا جارة ما شاهدناها يوما إلا وهي تصلي على سجادتها ولم نجد أحدا يواظب على المكوث عند سجادة الصلاة مثلها. فلماذا لم يخترها الشعب رئيسة إن كان هذا هو معيار القدرة على قيادة الدولة؟ صدام كان يصلي أيضا. ويقال أن الحجاج لم تمر صلاة واحدة بحياته إلا وأداها بوقتها. أول ما يفعله الدكتاتور أن يضحك على عقول الناس ويسخر منها فإن سخر الناس منه فشل، وإن ضحكت معه على نفسها، تحت أي ذريعة، ستدفع الثمن قاسيا. ولا ثمن أقسى على الإنسان من بيع الحرية لشراء العبودية.
سلاما ياعراق : مترو وسجادة وصمّ ملح
نشر في: 10 أغسطس, 2012: 06:37 م