TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > السوق..الذي يبيع العلم للجميع

السوق..الذي يبيع العلم للجميع

نشر في: 18 أكتوبر, 2009: 05:41 م

مهدي القرازسوق السراي..هذا السوق المفتوح للجميع.. يدخله يوميا عشرات الالوف من الناس ويقذف يوميا بعشرات الالوف من الناس رجال ونساء شبان وفتيات.. اناس من كل نوع وسن وهيئة يدخلون هذا السوق المفتوح من الصباح الى المساء يدخل اكثرهم ليتري العلم او يبيع العلم او يسرق العلم او يتفرج على العلم او يزدري بالعلم كل حسب ثقافته وذوقه ومزاجه ومركزه في الحياة..
في مثل هذا الفصل من كل عام يعج هذا السوق ويكتظ بالطلاب والطالبات من كل لون وفي مختلف الهيئات والاعمار يحملون على سواعدهم كتبهم المدرسية التي انجزوا تحصيلهم السنوي فيها فنراهم بين جيئة وذهوب في هذا السوق المزدحم يعرضون هذه الكتب للبيع ويساومون عليها ويخاصمون في سبيلها ثم يقبضون الثمن بعد ان يزهق ارواحهم سماسرة بيع الكتب او يزهقون هم ارواح هؤلاء السماسرة لكثرة ما يساومون ويدققون في المساومة.ز وباعة الكتب الذين ينتشرون في هذا السوق في حوانيتهم او على الارض نراهم دائما يقظين لمثل هذه الصفقات الرابحة فهم يشترون الكتب – من الطلاب او ممن يشاء سوء طالعه بيع كتبه- بابخس الاثمان وباسعار يود المرء فيها ان يرمي هذه الكتب في دجلة بدلا من عرضها على هؤلاء البائعين النهمين الذين يعودون يبيعون هذه الكتب لمن يحتاجها باغلى الاسعار او باضعاف اثمانها.. وتستمر عملية البيع والشراء بين الاطب وباعة الكتب في هذا السوق حتى نهاية هذا الشهر.. فتمتلئ الحوانيت والمخازن بالكتب المدرسية المستعملة التي يبدأ بيعها للطلاب ايضا في نهاية الشهر القادم فيعود هذا السوق ليزدحم من جديد بالطالبات والطلاب لشراء الكتب المدرسية المستعملة فيقفز سعر الكتاب الى اضعاف ثمنه وخاصة اذا تأخر توزيع الكتب الرسمية على المدارس.. وفي نهاية شهر تشرين الاول تفرغ هذه الحوانيت والمخازن من الكتب المدرسية لتبدأ تجارة الكتب الثقافية العامة..لم يبق سوق السراي على روائه القديم ومكانته السابقة فقد تركه كبار تجار الكتب الى شارع المتنبي فاحتل السوق الان صغار الباعة الذين يعيشون على شراء وبيع الكتب المستعملة او مما تمونهم به شركة فرج الله ومكتبة المثنى.. واستعاض اكثر القراء عن ارتياد سوق السراي بمراجعة عشرات الاكشاك المنتشرة في الشوارع العامة لابتياع الصحف والكتب والمجلات التي تصل اسبوعيا من القاهرة وبيروت لمكتبة المثنى وشركة فرج الله في بغداد.هذا السوق المزدحم الان بالحوانيت والبشر من كل صنف ولون.. كان قبل خمسين عاما سوقا خالصا للعلم والثقافة فقط، لاتباع فيه سوى الكتب ولايرتاده سوى العلماء والادباء والمثقفين وطلاب العلم وفيه تعقد صفقات بيع الكتب وشرائها وحوانيته ملتقى النخبة الممتازة والصفوة من كتاب العراق وشعرائه.. فهناك ملتقى الرصافي والزهاوي والاثري وابراهيم صالح شكر وابراهيم حلمي العمر والشبيبي والكرملي والجواهري والعمري وغيرهم من كبار رجال الفكر والادب في العراق.اما الان فقد احتل هذا السوق – مع الاسف الشديد- باعة المرطبات والكبة والاحذية والسكاير والجلود وغير ذلك من السلع الاخرى، وذهب رونقه القديم وسحره الجميل وغابت نجومه المتلألئة التي كان يتضوع ادبها في هذا السوق،، ولم يبق فيه سوى باعة الكتب القديمة والمستعملة والمجلات..ورجعت الى اقدم كتبي يعيش في الوقت الحاضر وهو السيد محمود حلمي صاحب المكتبة العصرية الذي امضى في تجارة الكتب مايقارب الخمسين عاما.. انه اليوم خارج سوق السراي في شارع المتنبي، وقد كان السيد محمود حلمي الى ماقبل (15) عاما هو المسيطر الوحيد على تجارة الكتب واستيرادها، وبيعها كما كان هو وحده المستورد للمجلات والصحف المصرية والعربية.. فكان صغار باعة الكتب يطلقون عليه لقب (امبراطور السوق) لانه كان يتحكم في مصائرهم.. كان يحتاجه الجميع ويتطلب رضاه الجميع من ساسة الى ادباء الى باحثين الى رجال صحافة الى قراء.. رجعت الى هذا الكتبي ليحدثني عن هذا السوق الذي افنى به ربيع حياته وخريفها وليحدثني عن الكتب والاشخاص والحوادث.. وما صادفه في حياته الحافلة من عجائب وغرائب تتصل في مهنته.فشرد ذهنه اولا.. ثم اخذ يستعيد ماضيا مكونا من خمسين عاما قضاه بين الكتب والناس.. وطفق يستعيد الصور الى ذهنه شيئا فشيئا فقال:قبل خمسين عاما لم يكن العراق يستورد سوى الكتب الدينية والقرآن الكريم وكان الذين يستوردون الكتب الدينية والفقهية من تركيا هم:1-حاج رشيد السعدي.2-عبداللطيف ثنيان.3-ابن خيوكة.4-محمد راغب.اما القرآن فكان يستورده شخص يهودي اسمه منشي وهو الذي كان يتحكم في بيعه وتجارته وكان محتكر استراده وحده من القاهرة واستانبول.وفي ذلك الوقت كان الطلب محصورا في شراء القرآن والكتب الفقهية وكتاب الف ليلة وليلة.. وعندما كان السيد محمود حلمي يحدثني كان يجلس احد المتقاعدين المخضرمين فقال لمحمود حلمي لقد نسيت كتاب (رجوع الشيخ الى صباه) باللغة التركية وكان يكثر عليه الطلب ايضا..وقال لي السيد محمود حلمي انه عندما اعلنت الحربة العالمية الثانية وارتفع سعر الورق ارتفاعا فاحشا سافر الى القاهرة وهناك شحن (500) دورة من كتاب (معجم الادباء) لياقوت الحموي لتباع الدورة الواحدة التي تحتوي على (20) مجلدا بدينار.. وعندما عاد الى بغداد وجد هذه النسخ مفقودة فسأل وكيله وكان يهوديا اسمه (اسحق) اين دورات (معجم الادباء)؟1

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram