TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية:"التغيير" الفاسد حتى النخاع

أحاديث شفوية:"التغيير" الفاسد حتى النخاع

نشر في: 10 أغسطس, 2012: 10:14 م

 احمد المهنا العلاقة بين الأفكار وبين المصالح تبدو اكثر غموضا لدى الشعوب التي توصف بأنها "عاطفية" مما لدى الشعوب الموسومة ب"العقلانية". ونستطيع أن نفرق بين النوعين تفريقا حاسما في مواسم الانتخابات.إن الاقتصاد هو الأمر الحاسم في انتخابات الديمقراطيات العتيدة. فالمرشح الكسبان
 هو من يقنع الجمهور بأن خططه أو أعماله أنفع للاقتصاد من غيره. وفي صدارة هذه الخطط او الأعمال تقليص البطالة وزيادة فرص العمل. المعيار اذن هو "الفائدة"، وهذه الفائدة لها ترجمة ملموسة في حياة الناس، هي رفع مستواهم المعيشي، أو هي الرفاهية. وفي هذه الحالة فإن الأفكار السياسية تكون أوضح من حيث تعبيرها عن المصالح، ذلك أن هذه الأفكار تقول اشياء محددة عن مصالح محددة، مثل الضريبة، أو التأمين الصحي والى آخره.أما الأمور الحاكمة أو المؤثرة في الانتخابات أو الحياة السياسية العربية، فغالبا ما تكون ضعيفة الصلة بالاقتصاد، وإن يكن "الربيع العربي"، في أحد وجوهه، محاولة لتقوية هذه الصلة. ولكن المعروف أن "الدين" أهم المؤثرات في السياسة العربية. إن"الاسلام هو الحل" أشهر الشعارات ،وهو لم يحظ بهذه المنزلة من الشهرة لو لم يكن مربحا للجماعات السياسية التي ترفعه.وقد ورث الدين السماوي هذه المنزلة في السياسة العربية مما يمكن وصفه بالأديان العلمانية. وهي تلك الأفكار السياسية اللادينية التي كانت مؤثرة في الشعوب العربية، وقد كانت تلك الافكار العلمانية مفصولة عن الاقتصاد وهمومه، مثلما هي الحال مع احزاب "الاسلام السياسي". ولذلك فقد كانت هي الأخرى شبيهة بالأديان.عندما خرج العراق من العدم العثماني، بعد الحرب العالمية الأولى، واخذت تتكون فيه حياة سياسية، اصبح شيئا فشيئا منقسما على نفسه بين فكرتين أو تيارين سياسيين، هما "العراقية" و"القومية العربية". الانقلاب العسكري الأول الذي قاده بكر صدقي عام 1936 كان "عراقيا". انقلاب الكيلاني عام 1941 كان "قوميا". وظل التياران حاكمين في الحياة السياسية العراقية. الشيوعية حلت في القالب "العراقي". البعث في القالب "القومي". من حيث "المكونات" الاجتماعية كان الشيعة والكرد أقرب الى التيار العراقي بينما السنة اقرب الى التيار القومي العربي.وعندما نضبت طاقة هذين التيارين، وانهد حيلهما، نزع العراق عن جسمه لباس التيارين، وظهر عاريا كما صنعه التاريخ بصورة "المكونات" الاجتماعية: شيعة، سنة، كرد. وسواء مع سيادة "التيارين" بالأمس أو "المكونات" اليوم تظل الصلة بين "الأفكار" وبين "المصالح" محكومة بأهواء غامضة، خفية، وبالتأكيد بعيدة عن- بل وضارة بـ - الاقتصاد. ان"الآلهة" العراقية والقومية والطائفية والإثنية فارغة أصلا من المضمون الاقتصادي، ومملوءة بهواجس وتعقيدات نفسية وتاريخية.ولكن الملفت في مرحلة القسمة بين المكونات الثلاثة، التي بدأت طلائعها آخرعهد صدام،هو سعة الدمار الذي أحاق بالبلد من كل النواحي، والأخلاقية منها خصوصا. ففي العصر العلماني كانت النزاهة هي "الدين". وفي "العصر الطائفي الإثني" صار الفساد هو الدين. وبينما يبدو "الربيع العربي" من حولنا بوصفه موجة مقاومة للفساد، يتجلى"التغيير العراقي" فاسدا حتى النخاع. هل لأن الأول يقترب من الإقتصاد بينما يبتعد عنه الثاني؟ وهل تراجعت قدرة الأفكار وتقدمت قدرة الاقتصاد على تحقيق النزاهة؟ ألم يعد "الايمان"عاصما كافيا؟ وهل أصبح الفساد نتيجة محتمة لكل فكرة سياسية أو حكومة لا تلتزم النهج القاضي بأن تكون السياسة هي إدارة الاقتصاد؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram