TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > نحن المتفرجون أدناه

نحن المتفرجون أدناه

نشر في: 15 أكتوبر, 2012: 06:38 م

بلغ التاسعة والسبعين من العمر، خطت السنوات أخاديدها على قسماته، وخط الشيب هامته، حليق الشارب واللحية، لم يخضبها بحناء ولا طيب أردانه بمسك او كافور، ما عمر أصابعه بمحابس شذر ولا كهرب تبعد عنه النحس والحسد، ما ذهب لعراف يزوده بطلسم يحوي عظام هدهد ليجعل كلمته مستجابة ونافذة لدى الحكام....لم يتقاعد رغم تجاوزه سن التقاعد، لم يستسلم لنومة ضحى، ولا أسلم ذهنه لآفة الكسل.

ذلك اليوم المشهود،، الثامن من أكتوبر  الجاري، نهض – كعادته – مبكرا، إرتشف قهوته الصباحية بأناة ، تناول شريحة الخبز المدهونة  بالعسل، في السابعة والنصف يكون في طريقه نحو المختبر  ليتم ما بدأه قبل  سنوات، وظن إنه  بصدد إجتراح نهج علمي رائد، من شأنه التخفيف من عناء الإنسان  إذ يفقد بعضا من كله (ككبد او كلية أو مضغة قلب او شريحة رئة.)

في المختبر يغرق – كعادته – في لجج التجربة والفشل، ويعاود المحاولة دون كلل، يقترب منه زميله ويهمس بإذنه خبرا خلابا:: -- لقد نلت جائزة نوبل، الحقيقة إنها نصف الجائزة إذ شاركك فيها عالم ياباني جهبذ هو البروفيسور (شينيا  بامانكا).

يبتسم الرجل السبعيني، إبتسامة عريضة، ويداري ضحكة مجلجلة صدحت في فؤاده وبلغت حنجرته:: ربما وجد القهقهة لا تليق بالحدث الجاد. 

إنه  السير البروفيسور (جون جوردون) الذي أعلن إسمه على الملأ كفائز بجائزة نوبل للعلوم مناصفة مع عالم ياباني.

أحيا  السير جون، خريج جامعة آيتون المعروفة بتخريج النخب، أحيا أملا لدى ملايين المرضى الذين يتعطل او يتقاعس لديهم أحد فصوص الأجهزة الحيوية في  الجسم، بإيجاد بديل! كيف؟ بتفعيل خلية حية، وزرعها موضع الجزء العاطل، خلية أرق وأدق من طرف شعرة .

مهما بدا  التحفظ واردا بشأن جوائز نوبل، وما شابت  عملية منح الجوائز من أقاويل – عن حق او باطل – يظل حقل تلقيح الخلايا، بتغيير تراكيبها الجينية المعقدة، وتهيئة سبل إنمائها (نموها) وجاهزية عملها في الإحلال والإبدال، تظل العملية إحدى معجزات العلوم الحديثة في الطب والهندسة الجينية والكيمياء.

ما همني – وأنا أقرأ الخبر – من دين جون جوردن قيد شعرة، طائفته، أصله، إنتماءآته، إيمانه، كفره، أمامي إنجاز مذهل، سيجعل من التلاعب وتعديل تراكيب خلية ما، تتنامى  وتتخلق، وتصبح كلية او فص كبد او  جذعة نخاع. فطوبى للعاملين من كل ملة ودين ومذهب، فإن لهم المجد والسؤدد ,ولا عزاء ولا أجر ولا ثواب للمتعطلين، المتهافتين، لنوام الضحى، المتواكلين، الكسالى، تعسا لهم، وتعسا للامنتمين إلا لذواتهم وشهواتهم، الوالغين بعذاب الآخرين ، الخيبة لمساعيهم، ولا بارك الله لهم في أولادهم وأموالهم وذراريهم، اللعنة، اللعنة  عليهم إلى يوم الدين.... آمين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. رمزي الحيدر

    الفرق أنهم يعيشون في مجتمعات متحضرة ونحن نعيش في مجتمعات منحطة

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: جائزة الجوائز

العمود الثامن: لماذا خسرت القوى المدنية ؟

عندما يجفُّ دجلة!

الأقليات وإعادة بناء الشرعية السياسية في العراق: من المحاصصة إلى العدالة التعددية

قناطر: من الخاسر الحقيقي في الانتخابات ؟

العمود الثامن: مع الاعتذار لعشاق الانتخابات !!

 علي حسين أثار المقال الذي نشرته أمس في هذا المكان بعنوان " لمذا خسرت القوى المدنية " انزعاج البعض ، وشتائم البعض الآخر وسخرية مَّن يعتقد أننا نعيش أزهى عصور الديمقراطية ، وأن...
علي حسين

باليت المدى: الأخوات العشر

 ستار كاووش ثلاث ساعات بالقطار كانت كافية للوصول من شمال هولندا الى مدينة كولن الألمانية. هي ثلاث ساعات فقط، لكنها كانت كفيلة أيضاً بنقلي من عالم الى آخر. ترجلتُ عند محطة كولن وسحبتُ...
ستار كاووش

حوار نووي ساخن: هل تهدد موسكو وواشنطن بعضهما الآخر بالأسلحة الفتاكة؟

د. فالح الحمـــــراني منذ أن أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 29 تشرين الأول بيانًا يأمر فيه البنتاغون ببدء تجارب الأسلحة النووية "على قدم المساواة". وموضوعة الأسلحة النووية باتت الشغل الشاغل ليس لوسائل الإعلام...
د. فالح الحمراني

الفوز اللافت لزهران ممداني: "مقاربة عراقية"

د. أحمد عبد الرزاق شكارة الفوز اللافت لزهران ممداني في انتخابات عمدة نيويورك يجعلنا نفكر في الدلالات والتداعيات لمثل هذا الزلزال ليس فقط على الصعيد الأمريكي وإنما في العراق ذاته في مقاربة (مع الفارق...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram