احمد المهنا هذا ما قاله القذافي يوما حسبما يذكر عبد الرحمن شلقم في كتابه (أشخاص حول القذافي). وكان "القائد" مختلفا عن غيره من الحكام من حيث التفكير بصوت عال. ولكنه، مثل كل حاكم تستعبده السلطة، كان يريد من شعبه أمرين: الطاعة والضعف. ليست آدمية طاعة القانون، ولا آدمية الضعف البشري. انما طاعة العبد وضعف الفاسد.
يعتبر كل فضيلة إنقاصا لشخصه وتهديدا لسلطته. وبغض النظر عن أصله وفصله، وهما مصادر سلوك كل مخلوق، فإن وظيفة الإستبداد، وشغلة الدكتاتورية، هي تحويل الفضيلة الى رذيلة. والعبودية والفساد هما عز الرذيلة، وعز الطلب. لذلك، وبعد انتقادات قيلت أمامه لأشخاص لهم مكانة في دولته، ردّ على المتكلمين قائلا: "دعهم يفسدون"! وكان يعني ما يقول، كما كان يعرف ما يريد. فلا شيء يقوي الدكتاتور، أو "السلطوي"، أكثر من حاشية أو حكومة فاسدة. دنيئة. وبالتالي ضعيفة. هل كان صدام حسين يستطيع النوم وفي البلد رجل فاضل، عليه القيمة، مثل عبد الرحمن البزاز؟ وكم من أمثال هذا الرجل أهان وعذب وقتل؟ ان الدكتاتورية حفلة مطاردة محمومة للبشرية المحترمة. الدكتاتورية تموت وسط الناس المحترمين، وتحيا في بيئة المرذولين. قد لا يسرق الحاكم فلسا واحدا. ولكنه يسرق المجتمع كله، ويهينه، عندما يسمح لحاشيته، وللمسؤولين في دولته، بالغرق في الفساد. يراقبهم، يجمع الملفات حول نهبهم وحول كل مظاهر خروجهم عن القانون. فبذلك يضعفهم ويتحكم بهم، ومن خلالهم يتحكم بالشعب.في ليلتين تسلل القذافي الى منزلين لإثنين من حراسه وأبناء عمومته، كما يروي شلقم، ووصل الى "مربط الشرف". عرفا. تألما أَلَمَ انتهاك العرض. وبدآ التخطيط لاغتياله. وبطريقة ما كشف نيتهما فأوعز لرجاله بتولي أمرهما. وأنزل هؤلاء العقاب بالحارسين على مرحلتين، تمزيق جسديهما جزئيا بالأيدي والآلات، ثم كليا من خلال ربط أيديهما بسيارة، وأقدامهما بسيارة أخرى، وإطلاق السيارتين باتجاهين متعاكسين. وصورت العقوبة كاملة بالفيديو.وذات يوم حل العقيد في مضارب احدى القبائل. وشكوا له مر الشكوى من تصرفات أبناء قبيلته القذاذفة. غضب العقيد اشد الغضب وغادر المضيف. رجله الشهير عبد الله السنوسي طلب منهم البقاء في مكانهم لأنه سيعود اليهم بعد قليل ناقلا لهم جواب القائد على شكاواهم. عاد وعرض عليهم شريط الفيديو الخاص بمقتلة الحارسين.كان هذا هو جواب القائد على المشتكين. الهدف منه هو حملهم على صمت الحملان. يسكتون على الظلم ويعتادون على الشر. يطيعون ويضعفون. يُستعبدون ويُفسَدون. وحيثما شُنَّت حملات إفساد مماثلة كانت الغاية وكانت النتيجة واحدة، وهي تبليد الحساسية الإنسانية أو تمويت الإحساس تجاه كل أنواع الوحشية. في سوريا كل يوم نحو مئة قتيل، كل اسبوع مجزرة، بيوت تُهْجَم، مصالح تدمر، فتيات يغتصبن، عوائل تُهجَّر. هذه المآسي الدائرة على مدى 17 شهرا لم تحرك مظاهرة واحدة في عاصمة عربية. ننظر الى ما يجري نظرتنا الى "حدث سياسي" أو "منازلة تاريخية" بين الطوائف. ولم لا؟ أليست شغلة الكثير من السياسة العربية والإيرانية هي صناعة الموت؟ وما هو موقف الشعوب العربية والإسلامية البارد هذا تجاه سوريا؟ هل هو شيء آخر غير الدمار الذي لحق الحساسية الانسانية في هذا الجزء الخربان من العالم؟ أليس هذا هو "الأمر المخيف" الذي كان أرسطو قد وضع يديه عليه عندما قال:" لا يقدر على الشعور بالشفقة من أصابهم الخراب التام"؟ان اغتيال المقدرة على الشفقة هو الحصاد الأخطر لمزرعة الفساد.
أحاديث شفوية:دعهم يَفسَدون!
نشر في: 12 أغسطس, 2012: 09:35 م