TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > في الحدث:الطائفية ودفن الرؤوس في الرمال

في الحدث:الطائفية ودفن الرؤوس في الرمال

نشر في: 13 أغسطس, 2012: 07:12 م

 حازم مبيضين لا يمنع المراقب من اكتشاف الحرب الطائفية, الدائرة اليوم في أكثر من بلد عربي, غير الاقتداء بالنعامة, ودفن الرأس في الرمل, فالخطاب الطائفي المتصاعد, يتنقل بحرية وجرأة بين دمشق وبيروت وبغداد, وصولاً إلى البحرين والكويت والسعودية, وهو ليس بعيداً عن مصر وبعض دول المغرب العربي, وإن بصورة أقل حدةً, ومؤكد عند كل ذي بصيرة قصور الإجراءات الفوقية، أو الشكلية المحدودة والجزئية، عن إيجاد حلول جذرية
 ومنطقية لهذه الحال الخطرة ,وما ينجم عنها من آثار سلبية، ستضرب عميقاً في بنية المجتمعات التي تشهد هذا الصراع المقيت. الحرب الطائفية بين السنة والشيعة باتت على أبوابنا, وإن أنكرها الكثير متحدثين بإنشائية ركيكة عن الأخوة في الإسلام, وعن مشاعر المحبة وتفاهم ووفاق الجانبين, وتكفي كلمة الجانبين لتؤشر إلى الشرخ القائم, وتبعث قلقاً مشروعاً من قادم العلاقات بينهما, والأمثلة متوفرة وكثيرة, وإذا تجاوزنا الحالتين العراقية واللبنانية, اللتين شهدتا حروباً طائفية على المكشوف, فإننا سنجد أنفسنا في مواجهة صراع ينطلق في المنطقة الشرقية من السعودية, لا تنكره السلطات وتسعى لإخماده بحلول أمنية, وفي سوريا, تحول الصراع من مواجهة بين المعارضة والسلطة, إلى حرب طائفية كانت بيئتها جاهزة, وانخرطت فيها جهات لم يكن يخطر ببال أحد أنها تحمل مشاعر طائفية, وليس سراً أن اللون المذهبي يصبغ الصراع مع الحوثيين في اليمن, وهو صراع انتقل إلى ساحات القتال منذ زمن بعيد. نقلد النعامة بالتأكيد, حين نتجاهل أن الطائفية المذهبية ظلت حاضرة في الحياة العامة لشعوب هذه المنطقة, وهي تظل في إطار الاجتهاد, وليست ذات ضرر, إلى أن يتبناها الساسة " لأغراض بعيدة عن العقيدة ", فيستغلون مشاعر المتدينين, لتحويلهم وقوداً لنار حروبهم, بعيداً عن أي قيم أخلاقية, وليس سراً بأن التهاب المشاعر الطائفية, يجد التربة خصبة في غياب الهوية الوطنية الجامعة, كما في الوضع العراقي الراهن, أو ضعف الدولة وتقاعسها عن تلبية المطالب الشعبية, كما هو الحال في لبنان, أو نشوب صراع سياسي على الحكم كما هو واضح من مجريات الأزمة السورية, أو تلبية لمطالب سياسية وخدمية كما هو الحال في البحرين والسعودية, وليس سراً أن فرسان الطائفية هم "رجال دين" يعتبرون أنفسهم وسطاء بين الإنسان وخالقه, ويمنحهم اعتمادهم التأجيج الطائفي ميزة المسؤولية عن تصرفات الناس حتى خارج نطاق العبادات.في الوضع الراهن, التهم جاهزة ومعلبة, وهي سياسية بامتياز, فالشيعة يتهمون الوهابية, وهي الوجه الديني للسياسة السعودية بتأجيج الصراع, والسنة يتهمون الجمهورية الإسلامية الإيرانية, بمحاولة تأطير المكون الشيعي, المنتشر في عدة مواطن, لبناء الهلال الشيعي الممتد من طهران إلى بيروت, والواقع أن التهمتين لاتخلوان من الحقيقة, لكن المؤسف أن البسطاء من الناس, ينحازون إلى مشاعرهم الدينية وقناعاتهم العقائدية, لتنفيذ أجندات سياسية لهذا الطرف أو ذاك, دون تمحيص الدوافع الكامنة وراء تبني أولئك الساسة هذا الخطاب الطائفي.في السعودية مثلاً , لا يكتفي مقاولو الدين بالتهجم على مواطنيهم الشيعة, فيزيدون بتبني خطاب موغل في الكراهية, يوجهونه لمعارضي الرئيس الأسد, يحثونهم فيه على إطاحة النظام "العلوي النصيري", وفي لبنان يتبنى حزب الله خطاباً طائفياً ضيق الأفق, بمناصرته معارضي نظام الحكم في البحرين, ومناهضته معارضي النظام السوري, أما في عراق المحاصصة الطائفية, المضمونة بالدستور, قبل واقع الحال, فإن الأمثلة على ضيق الأفق الطائفي, تنتشر من أعلى هرم الدولة, وصولاً إلى أصغر بائع متجول في أي زقاق من أزقة المدن العراقية, والمستفيد في هذه الحالات وما شابهها هم الساسة دائماً, فيما بقية خلق الله يدفعون أثماناً مكلفة.لدفع الفتنة الطائفية إلى الخلف, ثمة حل واحد, هو الدولة العلمانية, حيث لا دور لرجال الكهنوت ولا وظيفة لهم, فالعلاقة بين الإنسان وخالقه لا تحتاج لوسطاء.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram