سرمد الطائيالكثير من ساستنا مولعون هذه الايام بتقديم اوصاف "بالغة الدقة" عن الخارطة الجغرافية لدولة قطر، وينهمكون في وصف صغر الحجم الجغرافي لشبه الجزيرة المنتجة للغاز في الخليج والتي راحت تلعب ادوارا مثيرة خلال السنوات الاخيرة في كل الملفات، بحيث انها استفزت لا محور ايران وحسب، بل حتى دول الخليج الاخرى، اي انها استفزتنا جميعا في اكثر من ملف.
وقبل ايام اعجبني قول منقول في تويتر عن الدور القطري في ازمة سوريا "الربيع العربي قضاء وقطر"، او الكلمة المنسوبة لنجل دكتاتورنا في وصف قطر ايضا وان في وسع العراق وضع كل الشعب القطري داخل "ملعب الشعب الدولي" في بغداد..الخ. لكن وصف قطر بأنها صغيرة، يتنقل في احاديث الساسة حين يناقشون ملفاتنا العالقة مع الكويت، فتنفتح شهيتهم ايضا لوصف حجمها الصغير والذي يفترض ان يجعلها خائفة مرتعبة من العراق "الكبير"، بل ان نوابنا هذه الايام يتحدثون عن "حجم كردستان" وأنها اصغر من ان تختلف مع السيد نوري المالكي، وهلم جرا.والحقيقة ان العراق دولة كبرى وعظمى وهذا ما يعترف به القطريون والكويتيون وسواهما، ولكي نثبت ان العراق ذو مكانة، لن نكون بحاجة الى اثبات ان قطر او الكويت صغيرتان بالتأكيد.ويكفي ان تشعر بمكانتك كعراقي، ان تقف عند ملتقى النهرين الخالدين دجلة والفرات، فوق فندق القرنة السياحي حيث يندمج النهران في شط العرب ليتحولا الى ممر مائي بحجم النيل، تعوم في داخله قطعان الجاموس التاريخية والسفن التجارية على حد سواء، وتنمو على ضفتيه اكثف غابات النخيل، وبين سعف النخل تتلامع ألسنة اللهب الحمراء خارجة من حقول بترول عملاقة. ولدينا في البلاد مناظر مشابهة شمالا او جنوبا.وفي ظل هذا فإن العراقي غير محتاج الى ان يستسلم للشعور بالخيبة حين يرى قدرة دول صغيرة الحجم على تصميم كل هذه المناورات في مجالات السياسة والاقتصاد والتنمية، بل ان الامم المتحضرة "الكبيرة" حين تشعر بالهزيمة امام الاقل حجما منها، تقوم بإطلاق مراجعة حقيقية حول الاسباب التي حولت هذا العملاق الى كائن عاجز ومتهالك.مشكلتنا وعجزنا لن تحصل على حل بإجراء مقارنات جغرافية والنبش في الخرائط و"الفيزياء الفراغية" او "الهندسة اللا اقليدية"، بل الحل يبدأ حين ندرك التفاصيل المريعة التي جعلت فئة من الساسة يقودون بلادنا من هزيمة الى اخرى افظع، ويمنحون فرصة كبيرة لقطر ولأمثال قطر.ان التشاغل بهجاء البلدان المنافسة لن يغير حقيقة ان "عمالقة" بلادنا انفقوا 700 مليار دولار خلال آخر 9 اعوام، دون ان ينجحوا في اصلاح بضعة شوارع تشكل قلب بغداد.والتشاغل بهجاء الخصوم لن يغير حقيقة ان كل نفطنا وعمالقة البترول الذين نزهو بهم في جنوب البلاد وشمالها، لم ينجح في اضافة بضع ساعات كهرباء الى عاشر صيف نمضيه بدون دكتاتورنا غير المأسوف عليه صدام حسين.والتشاغل بوصف خريطة قطر، او وصف تشدد رجال الدين في شبه جزيرة العرب والخوف المشروع من توجهاتهم الثقافية، عليه ان لا ينسينا كل الفشل الذي منينا به في التوفيق بين اتباع مذاهبنا ودياناتنا، او عجزنا عن الالتزام بمبدأ تعايش مدني وحديث وغير متشدد. ترى هل قدمنا نموذجا متسامحا يصلح كبديل عن تشدد السعودية وقطر؟البلدان الصغيرة والامارات التي يتشكل منها الخليج، منافس نختلف معه كثيرا، لكنها تشكل بمجموعها وحدة بشرية وجغرافية واقتصادية، سنظل محتاجين كثيرا الى التعامل معها بتوازن وعقلانية، فهم يعملون بهدوء ويخططون ويعززون تحالفاتهم عبر العالم، بينما كنت اسمع لسياسي بارز لدينا قبل لحظات، شتيمة مقذعة يوجهها الى دول الخليج، في وقت يحرص فريق حكومتنا على الدخول في خصومة طويلة عريضة مع تركيا والكرد، والقائمة العراقية وكل الخليج، ومع عمالقة النفط ايضا، دفعة واحدة.ان الاقل حجما من دولة قطر، هو الساسة الذين يمتلكون بالطابو الصريح، مكانا عظيما كملتقى النهرين الخالدين وبتروله، لكنهم يعجزون عن رفع القمامة من شوارع العشار او السعدون، ولا يجدون في صناعة سياستهم الخارجية، سوى كلمات مرتبكة وحزمة شتائم يوزعونها على الجميع.ان الحقائق مؤسفة ومخيبة، وهذا النوع من الافشل العظيم هو "اصغر" من دولة قطر. كما ان ان ميزاتنا ومؤهلاتنا ليست هي "الكبيرة" فقط، بل ان "بلاوينا" كبيرة ايضا وعملاقة وقد استعصت على اي حل خلال آخر ألف سنة، ولم ينفع معها دواء، والعلاجات مستمرة والامل كبير في الزمان.
عالم آخر: الاصغر من دولة قطر
نشر في: 13 أغسطس, 2012: 09:04 م