علي حسينبالأمس انشغل العديد من الزملاء ، ومعهم الآلاف من سكان بغداد ، بموضوع رئيسي وحيوي هو: كيف يصلون الى مقار عملهم ؟ سبب الانشغال هو حالة الشلل المروري التي أصابت شوارع رئيسية في العاصمة ، ولأن الناس تعيش عصر قرارات الدائرة الضيقة ، فلا أحد يعرف ماذا يجري ، ولماذا كل هذه الضجة والتوتر والقلق .
بالأمس ظل الناس محشورين في السيارات والكيات وعلى وجوهم امارات اليأس والإحباط ، لا يملكون سوى الدعاء على من اقترح هذه الخطة الامنية، رافعين ايديهم الى السماء طالبين من الله أن يكشف عنهم هذه الغمة التي توقعوا انها انفرجت بعد ان سمعوا كلاما ورديا من رئيس التحالف الوطني ابراهيم الجعفري قال فيه إن "الأجواء اليوم أكثر إيجابية أو أقل سلبية عما كانت عليه سابقاً ". قرأ الناس رسالة رئيس التحالف الوطني وناموا مطمئنين فهم يعرفون جيدا ان الأمر مجرد مباراة في الخطابة يتناوب عليها المالكي والنجيفي ولا بأس ان يدخل الى حلبة السباق صالح المطلك وكمال الساعدي .منذ أسابيع والناس تنام وتصحو على مهدئ جديد وفعال اسمه ورقة الإصلاح. ونسمع ونقرأ عن اجتماعات وحوارات حول بنود هذه الورقة ، وتخبرنا الأنباء ان التحالف الوطني ناقش البنود في اجتماع مهم ، فيما خبر آخر بؤكد ان العراقية لديها تحفظ حول الفقرتين الرابعة والخامسة ، ونسمع تصريحا لأحد النواب يقول فيه أن الورقة لم تكتمل بعد ، فهي في طور الولادة القيصرية ، وتخبرنا وكالات الأنباء بان رئيس البرلمان التقى مع رئيس التحالف الوطني وناقشا الورقة ، ثم ينصحنا سياسيون بان ندقق جيدا في معلوماتنا فالمطروح في سوق المزاد السياسي لا يسمى ورقة إصلاح ، انما هو افكار يحاول البعض ان يجد لها رواجا في سوق المناكفات السياسية ، المواطن المحشور في الكيا تصور ان الفرج جاء بعد هذه المحنة حين صدح المذياع بصوت نائب يقول :" ان ورقة الاصلاح اصبحت جاهزة .. وستأخذ سياقها التطبيقي ..بعد ان يتم تشكيل اللجان التي ستأخذ على عاتقها تطبيق المفردات وفقا للسقوف الزمنية " مواطن " الكيا" وهو يستمع لحزورة الاصلاح هذه تذكر ان كثيرا من هذه الالعاب قد شاهدها من قبل .. فقد استقبل ومعه ملايين العراقيين كلام رئيس الوزراء عن فرصة المئة يوم للاصلاح ، بمنتهى الجدية والثقة وهو يرى المالكي يقسم بأغلظ الأيمان ان العراق بعد المئة يوم هذه سيتحول الى جنة على الأرض ، وعاش الناس صعودا ونزولا عسى ان يهل هلال المئة يوم ، الا ان المقربين من رئيس الوزراء يؤكدون وبحسابات الشمس والقمر ان المئة يوم ستبدأ فقط بعد ان يتم انتخاب المالكي لفترة رئاسية ثالثة .. ولهذا لابد من شماعة جديدة يعلق عليها الجميع فشلهم في ادارة البلاد .. مرة يكون اسم الشماعة مهلة المئة يوم ، ومرة المؤتمر الوطني ، ومرة المائدة المستديرة ومرة يتحول الامر الى اجتماع في بيت احد المسؤولين الكبار ، وهذه المرة تفتقت اذهانهم عن اسم جديد لهذا الوليد المشوه " ورقة الاصلاح " التي هي اخر العنقود في التصريحات المحفوظة على رف حكومة الشراكة الوطنية .لماذا لا يخرج الجعفري او المالكي ليقول للناس ما هي ورقة الاصلاح هذه ، وبماذا تفرق عن ورقة الاجتماع الوطني التي لم نعرف مضمونها حتى هذه اللحظة ، وكم عدد الألغاز التي تتفوق بها على ورقة اربيل التي لا تزال وبعد عامين مجرد تواقيع على ورق ابيض صقيل؟ الحديث عن ورقة الاصلاح بكل هذه البهرجة التي ملؤوا بها الفضائيات ، يثبت اننا امام ساسة تتلبسهم ارواح فاشلة لا تصلح لهذا الزمان .. وان حديثهم عن الاصلاح والوطنية ومصلحة البلاد مجرد اوهام يحاولون من خلالها خداع الناس ليبرروا عدم قدرتهم على ادارة البلاد. المواطن المحشور في الكيا يدرك جيدا ان السياسيين سيتوحدون ضده في كل قرار يتخذونه ، وحين يجلسون لمناقشة ورقة الاصلاح سيخرجون بقرار واحد لاغير هو الدعوة الى تشكيل تجمع سياسي جديد يطلقون عليه تجمع الحفاظ على المنافع ، فكل الذين يتحدثون عن ورقة الاصلاح باختلاف أمزجتهم هم متضامنون في هذا المعسكر ضد أي مساس بمصالحهم وامتيازاتهم ، كلهم في معسكر واحد وإن اختلفت وسائل الحفاظ على المغانم والمناصب ، وهو اختلاف في درجة العشق للسلطة وليس في النوع.. بعضهم سيكون واضحا كالشمس ومتسقا مع ما يقوله، فيما آخرون سيرتدون مسوح الفلاسفة ويتحدثون بكلمات يتوارى أمامها جهابذة المنطق وعلماء الكلام وأساتذة البلاغة خجلا. تقديري الشخصي أن ركاب الكيا الذين أتعبهم هذا الحشد الأمني وغلق الشوارع ، يعرفون جيدا ان معظم السياسيين سيذهبون الى اجتماع الاصلاح وهم مسكونون بأحلام الحصول على المزيد من الغنائم ، فيما الناس تتمنى وتدعو من الله ، ان تنتهي ورقة الاصلاح ، ببيانات وتصريحات فضائية لا تتحول ذات صباح غائم الى غلق للشوارع وعنتريات امنية ، يذهب ضحيتها هذا الشعب المغلوب على أمره.
العمود الثامن: الشعب لايريد ورقة الاصلاح
نشر في: 13 أغسطس, 2012: 10:07 م