TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > الطاهر والغذامي ونزار قباني

الطاهر والغذامي ونزار قباني

نشر في: 14 أغسطس, 2012: 06:00 م

حسين القاصدلعل من أكثر النقاد العراقيين اشتغالا في النقد الثقافي هم أولئك النقاد الذين كانت وجهتهم النقدية تهتم بالموضوع قبل البناء الفني، وهم بذلك نقاد موضوعات، وهم قبل ذلك انتهجوا المنهج الاجتماعي، وهم بعد ذلك نقاد ثقافيون على الرغم من غياب المصطلح الذي كان في أصله (نقاد مقاليون)، وهو ما يمثله اشتغال حسين مردان واشتغال الدكتور علي جواد الطاهر وتلامذته ولاسيما محمد حسين الاعرجي الغزير بجودته والجيد بغزارته ؛
 وإذا كان الغذامي تطرق إلى تأنيث القصيدة محاربا عمود الشعر بقوله :(يأخذ النسق الحر مجال تكوينه عبر تأنيث القصيدة وتحويل عمود الشعر إلى خطاب مفتوح يجعل النقص مدخلا شعريا وإبداعيا يتنازل عن الكمال والقوة)( ) ، فإن أول من تنبه إلى أن للقصة (عمودا) أيضا هو الدكتور الطاهر( ) .ولعل إشكالية شعر نزار قباني في سهله ـ غير الممتنع ـ  أتاحت الفرصة لعبد الله محمد الغذامي لكي ينظر له من باب فحولته على الأنثى متناسيا هيمنة نسق السلطة والمال على مضمر نزار ومعلنه، فعلى الرغم من أن نزارا عاش حياة مترفة نجده، شاعر سلطة من الطراز النادر جدا، وبيّاع مبادئ من الطراز الأندر؛ بدءا من قراءاته في المرابد الصدامية ومرورا بزواجه من بلقيس الراوي بقرار من مجلس قيادة الثورة، وليس انتهاءً بقصائده بعد أن اجتاح صدام الكويت.  كما أن هناك نسقا آخر هو نسق هيمنة سلطة المال الذي جعله يغير كلمات كثيرة في أبياته لكي يتوافق مع ذوق الملحن وهو ما حدث في قصيدته "إلى رجل" ، حيث أبدل كلمة "يدخن" بكلمة "يفكر" ناسفا لحظة بوح القصيدة قاصدا إرضاء الملحن والمطربة، وذلك في بيته:   يا من يدخن في صمت ويتركنيفي البحر أرفع مرساتي والقيها ومثله ما حدث مع كاظم الساهر، حين ترك للساهر حق التغيير في الكلمات بل قام هو بنفسه بالتغيير بطلب من الساهر: وجعي يمتد كبقعة زيت من بيروت إلى الصين صارت : وجعي يمتد كسرب حمام من بغداد إلى الصين!!!ومما لاشك فيه أن الوجع في البيت الأصلي ابلغ، لكن الوجع في البيت الثاني أكثر نفعا لأنه يعود بالفائدة المالية على الشاعر، ولاشك أن القارئ الكريم سمع بالدعاوى التي أقامها نزار على المطربين بحجة انه قبض مرة واحدة بينما يقبض الشاعر يوميا من مردودات قصيدته التي أصبحت أغنية،  ومن أمثلة ذلك الكثير، كان الأولى أن يلتفت إليه الغذامي، لكنه انشغل بإعادة صياغة رسالة الدكتور الطاهر إلى نزار قباني بكلمات أخرى أدت الغرض نفسه، وهو موت نزار شاعرا قبل موته؛ فقد أشار الطاهر إلى ذلك بوضوح حين كتب (رسالة ثانية الى نزار قباني) ، ولعل الحاجة الملحة ـ هنا ـ تقتضي أن انقل ما قاله الدكتور سعيد عدنان وهو يحلل هذه الرسالة (كان نزار قباني قد خرج عما له من منحى شعري، وفارق مقدرته على الإبداع، وقد ادرك ذلك الدكتور الناقد علي جواد الطاهر ، لكنه لا يريد ان يكتب نقدا مستقصى يربط فيه النتائج بالأسباب، وإنما يريد ان ينشئ مقالة تقوم على وعي نقدي، مبنية على حسن التأتي، وبراعة اللمح، والنفاذ إلى جوهر القضية، فكتب "رسالة ثانية إلى نزار قباني" بدأ على النحو الآتي :" أخي الشاعر الكبير بموهبة أطلت منذ الديوان الأول ومضت صعدا حتى قصائد الخمسينات" وهو بدء أليف يثبت للشاعر حقه ، ويريه ماله ، وقد جاء بصياغة تقرر الحقائق، لكي تنتقل منها إلى غيرها ، وإذ يحين الانتقال يمهد له بجملة يجعلها على لسان الشاعر: " تقول ـ وأنت تسمع هذا الثناء ـ ذلك أمر قديم .. حدثت بعده قصائد وقصائد وصدرت دواوين ودواوين" ، ثم ينفذ إلى فكرته : إن نزار قباني شاعر أدرك موهبته نضوب، وران على حرفه شحوب، وان من الخير له، ولنا أن لا يحمل نفسه حملا على قول الشعر ، وألا يتعسف القصيد اعتسافا )( )   ومع هذا كله يعترف الطاهر لنزار بأنه شاعر له ماض وهو ليس كغيره من الذين يصرون على إيذاء الفن ( ).  وبينما نجد الغذامي يعترف بأول تأنيث نقدي حيث رواية أم جندب دون أن يقف عندها وكأنه يتستر على مشروعه التأنيثي الحديث الذي يبدأ بنازك الملائكة، ويكمن اعترافه هذا في قوله ناعتا نزار قباني (هذا هو علقمة الفحل الذي لا يرى أحدا غيره ، ولذا كثر تبرم نزار بناقديه واظهر الامتعاض منهم)( ) ؛ ولا ندري كيف تذكر الغذامي علقمة الفحل ولم يحترم من منحته لقب الفحولة وفضلته شاعرا على زوجها ؛ ولنبق في محور نزار لأننا نجد الغذامي ينسخ رأي الدكتور الطاهر الذي سبقه إليه ، فيطلقه حكما على نزار دون الرجوع الى الدكتور الطاهر مصدرا ، وذلك في قوله : (ومشكلة هذا النوع من الذوات والانساق انها ذات نسقية غير قابلة للتغيير أو التحول . هي إياها لا تتغير. وها هو نزار يكتب في اخر أيام حياته عام 1997 مثلما كتب في عام 1947 ، وكأن خمسين سنة من عمر الثقافة لم تمر ولم تفعل)( ) ؛ ولذا اترك للقارئ الكريم أن يتفحص السبق بنفسه ويرى كيف أن الدكتور الطاهر أعطى رأيه بتراجع شعرية نزار قبل الغذامي بزمن كفيل بإنجاب أجيال من التفكير النقدي ، ومع هذا كله ، وأمام أعيننا ، يأتي الغذامي ليخبرنا بما اخبرنا واخبره به الطاهر آنذاك ، وكأن الغذامي يريد ان يقول: إنه اكتشف البنسلين مرة ثانية!!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram