TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > أكاذيب اجتماعية.. وأخرى سياسية!

أكاذيب اجتماعية.. وأخرى سياسية!

نشر في: 15 أغسطس, 2012: 06:30 م

سليمة قاسم بعد وصوله إلى إحدى الدول الأوروبية هربا من جحيم الحرب التي اشتعلت في العراق، كان من البديهي أن يتوجه احد العراقيين إلى بيت أخيه الذي سبقه إلى الهرب هناك، اقترح عليه أخوه أن يبقى عنده بضيافة عائلته الصغيرة المكونة منه ومن   زوجته الأجنبية وابنه الصغير البالغ من العمر خمس سنين بانتظار أن يحصل على سكن مستقل توفره له الدولة.
كان أخوه وزوجته يذهبان إلى العمل صباحا وكانت تحضر إلى البيت جليسة الأطفال للبقاء مع الطفل لحين عودة والديه. رغم انه طرح عليهما أكثر  من مرة  فكرة أن يبقى مع الطفل بدلا من جليسته التي تكلفهم مبلغا من المال يمكن أن يستفيدا منه في مجال آخر، لكن زوجة أخيه رفضت تلك الفكرة رفضا قاطعا. وذات يوم وفيما كان الطفل يلعب أوقع زهرية جميلة انكسرت على الفور، خاف الطفل من العقاب وأخذ يبكي، لكن عمه أقنعه بأنه سيدعي انه هو من كسر الزهرية، ليفلت من عقاب والديه. سمعت جليسته بهذا الاتفاق، وما كان منها حين عاد الأبوان ألا أن تخبرهما بكل ما حدث وإنها قررت عدم الاستمرار في العمل، وحين استفسرا عن السبب جاء الجواب أن عم الطفل يشجعه على الكذب، الأم ساندت جليسة الأطفال في موقفها وهذا أمر طبيعي  فالاثنتان تنتميان لمجتمع واحد نشأتا فيه على عادات معينة تختلف عن الموجودة عندنا، أما الأب فحاول أن يشرح عبثا وجهة نظر أخيه الذي شعر بالحرج البالغ من تصرف كان يمكن أن يمر مرور الكرام لو قام به في العراق، اضطر بعدها إلى استئجار غرفة صغيرة في احد البنسيونات المتواضعة بسبب كذبته البريئة تلك!أما في العراق فالوضع مختلف تماما فأكثر شيء نجيده هو الكذب، ونحن لسنا مذنبين في هذا، ففصل الكذب يبدأ في حياتنا دون أن ينتهي، فالأب يجبر أبناءه على أن يكذبوا عوضا عنه حين يدعون أن أباهم ليس في البيت أو حين يطلبونه على الهاتف، والأم تطلب من ابنتها أن تنفذ أمرا ما وأنها سوف تشتري لها هدية جميلة أو ستصطحبها في نزهة جميلة دون أن تنفذ وعودها تلك وبذلك يتعود الأطفال على الكذب منذ الصغر رغما عنهم  ويعتادون عليه ليبرعوا فيه أكثر من آبائهم . وينطبق هذا الحال على دوائر العمل ،فالمدير يكذب على الموظف والموظف يكذب هو الآخر على رئيس هذا القسم وهذا يكذب بدوره على رئيس القسم الآخر، وقد تحدث أحيانا مشاجرات ومنازعات عدة بسبب أكاذيب العمل يسعى فيها الخيرون إلى وأد الفتنة في مهدها خوفا من انشقاق وظيفي يؤثر على سير العمل.وبما أن" جذب المصفط أحسن من صدك المخربط" فإننا كثيرا ما نلاحظ أن الشخص الذي يجيد تأليف الأكاذيب يكون محبوبا من الناس، الذين يتناقلون أكاذيبه بعد إضفاء روح الدعابة عليها لتصبح أشبه بالنكات الظريفة. دون أن يشعروا بأنهم بذلك يشجعونه في ما يفعل ويتقبلون أكاذيبه  كونها من باب"الكذب الأبيض"، وبالتالي يتقبله المجتمع ككل بكباره وصغاره. وهناك نوع آخر من الكذب يشبه إلى حد بعيد ذاك  الذي دعا إليه جوزيف غوبلز وزير الدعاية السياسية في زمن هتلر حين قال " استمر بالكذب حتى يصدقك الآخرون" لكن الكثير منا يطبقون هذا الشعار لدرجة أنهم يصدقون أكاذيبهم ويتعاملون معها وكأنها حقيقة، فحين تسأل موظفا مشهورا بتعامله مع المفسدين عن سبب طرده من العمل يدعي أن نزاهته وإخلاصه هما السبب في ذلك، فيما يبرر آخر سبب تركه العمل بدعوى  انه أصر على ترك العمل رغم إلحاح مديره وتوسلاته، بينما الحقيقة تحكي شيئا آخر.قد تكون الأكاذيب التي يطلقها المواطن العادي مقبولة بشكل أو بآخر لكون المتضررين منها لا يتجاوزون محيط العائلة والأصدقاء لكننا نرى ونسمع الكثير عن أحاديث الساسة الذين يناقضون أنفسهم بين الحين والآخر لدرجة أفقدت الناس الثقة بهم، تلك الأكاذيب  تتناقلها وسائل الإعلام بسرعة البرق ما دام الأمر يحمل سبقا صحفيا ، دون التأكد من صحتها ومقدار ما تحمله من أكاذيب، وقد حفلت أزمة سحب الثقة من السيد رئيس الوزراء وحدها  بسيل من الأكاذيب دون أن يتذكر هؤلاء الساسة أن حبل الكذب أصبح اشد قصرا بوجود التكنولوجيا الحديثة التي حولت العالم إلى قرية صغيرة ينتقل فيها الخبر في غضون دقائق معدودة عبر الفيس بوك وتويتر وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي ، فالبعض من النواب يؤكد اكتمال جمع التواقيع لسحب الثقة عن رئيس الوزراء وآخر يؤكد فشل مشروع سحب الثقة، وظللنا نتابع قضية تزوير تواقيع النواب إلى  أن وصلنا مرحلة عدم قدرتنا على التمييز بين  النواب الذين يؤيدون سحب الثقة ومن هم معارضوها. ونستطيع أن نتصور ما تخلفه تلك الأخبار من لغط يسود الشارع ويربك أفكار الناس وأصبحت العملية السياسية في العراق تتأرجح بين تصريح يتم نفيه في ما بعد في متوالية لن تنتهي في القريب العاجل. ويبدو أن  أكاذيب الساسة سوف  تستمر دون أن يدركوا أن ذاكرتنا لم يصبها العطب بعد!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram