TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم آخر: عيد لمقاول فاسد وآخر لشعب مسروق

عالم آخر: عيد لمقاول فاسد وآخر لشعب مسروق

نشر في: 15 أغسطس, 2012: 09:35 م

 سرمد الطائيالمقاول يضطر الى الفساد بسبب "عمولات دفعها لمسؤولين". المقاول يضطر الى الفساد بسبب "استعجال المسؤولين". كيف؟ ان للفساد قصصا مضحكة مبكية، داخل مختبرات فحص المواد الانشائية، ومراكز التصاميم الهندسية، وفي مستشفيات بارزة، كما يحدثنا بذلك خبراء وموظفون يعملون هناك.
وقد كنت محظوظا خلال الايام الماضية بمجموعة من القراء ارسلوا لي ملاحظات ومعلومات مهمة عن ملف "سرعة خراب المشاريع المنجزة" في العراق، فقد نقلت تصريحات لمسؤول رفيع يؤكد خلالها ان نسبة كبيرة من الطرق التي جرى تعبيدها مؤخرا على سبيل المثال، تتعرض الى الخراب في فترة وجيزة بسبب "فساد مختبرات الفحص" وندرة الشركات الجيدة، والموضوع شجع موظفا في واحد من اهم المختبرات الحكومية التي تتولى فحص المواد الانشائية وتحديد نسب كل منها بما يتناسب مع وضع البناء ومواصفات المادة، كي يبعث لي جملة ملاحظات مهمة ومسببة للاحباط الشديد.يقول صاحبنا ان القانون يفرض على اي شركة تريد تنفيذ مشروع انشائي، ان تختبر المواد التي تستخدم في البناء او تعبيد الطرق، لتحدد بشكل علمي الكميات اللازمة لتنفيذ المشروع بشكل صحيح وضمان عمر افتراضي معقول، والفحص هذا يجب ان يكون بالطبع قبل التنفيذ. لكن معظم المشاريع كما يقول صاحبنا، تخرج نتائج اختباراتها بعد ان يكون المقاول قد انتهى من انجاز نصف المشروع! يأتي الى مركز التصاميم او المختبر لاخذ النتائج، فيقول له المهندس المسؤول: عليك ان تراعي هذه النسب في خلط المواد. فيجيبه: لقد اكملت نصف المشروع هل تريدني ان اهدمه وأعيد انشاءه؟ يقول له المهندس لماذا استعجلت؟ يجيب: المسؤول يريد مشروعا سريعا قبل الانتخابات، او قبل استجوابه من قبل مجلس المحافظة، او قبل اثارة القضية الكذائية ضده. فيرضخ الجميع الى الامر الواقع ويقص المسؤول شريط افتتاح الطريق او الجسر او المبنى، وليخرب بعد سنة او ستة شهور فلا احد سيحاسب احدا!في مشهد آخر، يأتي المقاول ليجد المختبر قد طالبه بنسبة عالية من الاسمنت او الحديد او المواد المكلفة، فيأخذ بالضغط على مسؤول الاختبارات كي يخفف النسب، وكأنها لعبة اطفال. المقاول يلح في الطلب متحججا بأن ميزانية المشروع لن تسمح باستخدام كميات كبيرة من المواد المكلفة. من وضع الميزانية يا ترى؟ يجيبك: ليست المشكلة في الميزانية المثبتة على الورق، بل في "ميزانية الرشاوى والعمولات" التي لم يجر احتسابها بالتأكيد في جلسة تقديم العطاءات او دراستها.الرشاوى التي تقدم للموظفين او المسؤولين، تؤثر على جودة المشاريع، فتنتج مسؤولا مترفا وشارعا يتعرض للخراب بعد 6 شهور!انها حقائق نسمعها من الناس دوما، والان يصبح مصدرها خبراء داخل مراكز التصميم الهندسية، وأعضاء بارزون في مجالس تشريعية ورقابية، لكن لا احد يجد حلا للمليارات التي تتحول الى مجرد مشاريع فاشلة يفتتحها المسؤولون وتخرب بعد بضعة شهور.الفساد ليس شبحا كي يبحث عنه السلطان ولا يجده، انه تفاصيل صغيرة وكبيرة داخلة في كل نقطة من حياتنا كما يبدو. قبل ايام حدثني اخصائي بارز عن شحنة ادوية من الدرجة الاولى جرى شراؤها لعلاج مرض حساس ونادر، وبعد ان بدأت المستشفى الكذائية تعطي جرعات من الدواء "الممتاز" للمرضى، اخذوا يموتون واحدا تلو الاخر. الاطباء استغربوا وأوقفوا جرعات العلاج فورا، وبدأ فحص سريع للدواء "الممتاز" فاتضح انه بودرة طحين عادية مغلفة بعلبة الدواء المعتمد. واتضح فيما بعد ان الجهة المستوردة قامت باستبدال الشحنة في منفذ حدودي معروف وكان الثمن وفاة العديد من المرضى وتأخر علاج من بقي حيا. مستورد الشحنة مسؤول نافذ ولا احد يجرؤ على محاسبته. واذا كان هذا حال الفساد في "اللقم الصغيرة" فما حاله يا ترى في "الصفقات الكبيرة".المشهد هذا العيد.. مسؤولون ومقاولون فاسدون يواصلون تمضية ايامهم بفرح غامر فكل ايامهم "عيد" ويستخدمون الاسمنت السيئ والدواء السيئ لتقديم "المنجزات السريعة" للشعب. اما الشعب فيلهث وراء قنينة الغاز وغالون البنزين والبصل الذي تضاعف سعره مرتين.ان الامر ليس سرقة يقوم بها المسؤول لمال الناس، بل سرقة لحلم كبير، ينتعش حين نرى اليات البناء تعمل، وسيارات النقل تشحن، ويذوي يوم تتسرب لنا نتائج مختبرات الدواء والانشاءات!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram