TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية:"عفترة" و"عدس": تشابه واختلاف

أحاديث شفوية:"عفترة" و"عدس": تشابه واختلاف

نشر في: 17 أغسطس, 2012: 08:51 م

 احمد المهنا أعطت نهاية الحرب العالمية الأولى لكل من العراق وسوريا فرصة تكوين دولة - أمة. وأعطى المثقف في البلدين الى السياسي فكرة الثورة. وأوصل السياسي تلك الفكرة الى الضابط. وترجم الضابط الفكرة الى حكومة الثورة. واستغنت حكومة الثورة بنفسها عن المثقف والسياسي والشعب الى أن استهلكت نفسها والآخرين. وحاولت الولايات المتحدة عام 2003 إعادة الكَرَّة البريطانية لعام 1921 في العراق، فلم تجد شعبا ولا سياسيا ولا مثقفا ولا ضابطا. فقد أمسى كلٌ منهم ظِلَ ما كانه لا أكثر.
  كانت "الثورة" قد أهلكت الأمة والدولة. في زمن العارِفَين تقلصت حكومة الثورة الى حكم أقلية، نُحِتت لها كلمة "عفترة"، التي تجمع الحروف الأولى من بلدات عانة والفلوجة وتكريت وراوة وهيت. فالسلطة ممسوكة جميعا بأيدي رجال ينحدرون من تلك البلدات السنية. الأغلبية الشيعية غائبة وكذلك الكرد. حكومة الثورة السورية بعد 1963 نُحِتت لها كلمة مماثلة هي "عدس"، في اشارة الى العلويين والدروز والاسماعيليين. الأغلبية أيضا مطرودة من السلطة، وهي هنا سنية. مع السبعينيات كان عصر البلدات قد قضى في العراق، واقتصر على قرية واحدة هي "العوجة". الأقلية تقلصت الى فردية وعائلية. "عدس" السورية تقلصت بدورها الى "القرداحة"، واستقرت السلطة في احضان الفرد والعائلة.وفي البلدين الجارين تعسرت "الطريق" واستعصت "الفضيلة". سوريا دخلت مناخ الحرب الأهلية. وسبقها العراق الى حرب مماثلة خرج منها الى المجهول. فهناك كرد حالمون بالوطن القومي، ويعتبرون كل ما عداه جسرا اليه. "عفترة" دخلت في تاريخ مظلومية لم تهتد بعد الى طريق للخروج منه، ولا الى هدف تسعى اليه. والشيعة منقسمة بين أقلية حاكمة لم تنجح في تمثيل طائفتها، وبين أغلبية فقيرة مستلبة ضائعة.الكتل الرئيسية الثلاث في العراق تحكي باسم ديمقراطية الدستور، ولكنها لا تأخذ منها الا ما يخدم مصالحها الخاصة والمتعارضة مع عمومية ديمقراطية الدستور. والجميع يجهل الى أين سيقوده غموض الطريق. والطريق متروك ليصنع ذاته وأهدافه عبر "عملية سياسية" تتقاذفها الرياح الاقليمية. والأمر الحاسم هو أن الشعب فاقد كليا للمبادرة. فقد تحرر من الطغيان بغزو أجنبي. وكل شيء جرى بعد ذلك على أيدي أشباه أحزاب سياسية. السياسي وحده ظاهر في الصورة التي اختفى منها الشعب والمثقف والضابط. الصورة الفارغة من المضمون الديمقراطي، من"حكم الشعب" بما فيه تأثير المثقف والإعلام النقدي، ودور الضابط المهني المعزز للقانون."الربيع العربي" مبادرة شعبية خالصة، وبعيدة عن السياسي والضابط والمثقف. لم تظهر في العراق مثل هذه المبادرة، حتى في انتفاضة آذار 1991. ذلك أن تلك الانتفاضة، المهمة في تاريخ العراق والمنطقة، جاءت نتيجة حرب خارجية، لا نتيجة مبادرة داخلية خالصة. مع انها تتشابه في وجوه عديدة أخرى مع انتفاضات "الربيع العربي". أول الحاضرين في "الربيع العربي"هو الشعب، صاحب المبادرة، ثم تصدَّر السياسي، دون أن يغيب الشعب ولا المثقف (أو المجتمع المدني عموما). بينما كاد الضابط أن يختفي من الصورة. فقط في حالة سوريا، صاحبة الثورة المعمِّرة، ظهر جميع هؤلاء وبالتدريج الذي ميَّز، أخيرا، الضابط أكثر من غيره. الكل ظاهر في صورة سوريا الحربية. بينما السياسي وحده يحتكر صورة اللاسلم واللاحرب في العراق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram