حيان الخياطالثقافة في المجتمع تعني وجود وعي واطلاع جيد لدى أغلب أفراد المجتمع، فلا يكفي احتواء المجتمع على طبقة خاصة (وهم النخبة التي تكتب ولها صدى مسموع) هي الوحيدة التي تتابع وتفهم ما يجري حول العالم. كما أن الثقافة لها جانب معنوي متصل بالقيم والتقاليد والسلوكيات وحتى الذوق.
ولكي تكون ثقافتنا بالمستوى المطلوب يجب أن تتناسب مع ما وصل إليه الركب الحضاري وإنجازاته، فمن الجلي أننا نعاني تخلفا حضاريا صارخا لا يمكن إغفاله أو التعتيم عليه بأي حال من الأحوال، ولتلافي هذا الأمر يجب علينا أن نعترف بالداء ثم نبحث عن الدواء.كلنا نعلم أن هناك نوعين من الثقافة، وهي الثقافة العلمية التي تشمل علوما مثل الفيزياء، الكيمياء، الأحياء وغيرها، والثقافة الأدبية التي تشمل الآداب، الفنون، العلوم الإنسانية وغيرها، ولكن في منتصف القرن العشرين قدم العالم والروائي المعروف تشارلز بيرسي سنو، فكرة مؤداها أن هناك ثقافة جديدة أخذت بالنهوض دعاها بالثقافة الثالثة، وهي الثقافة التي تشكل جسر التواصل بين الثقافتين العلمية والأدبية، وقد ظهر على أثر هذه الفكرة الثورية علماء مختصون حاولوا نقل المعرفة العلمية لشريحة واسعة من الناس وذلك باستخدام تعابير بسيطة عند شرح المواضيع العلمية.من أجل ظهور مفكرين يهتمون بالثقافة الثالثة، يجب على كل من العلماء والأدباء أن يطلعوا على إنجازات وكتابات بعضهم البعض، هذا ما سيجعلنا نرى شرحاً لنظريات علمية داخل الأعمال الروائية والأدبية المختلفة، وتفسير عالم مختص لنظرية جديدة من خلال لغة رائقة وسلسة وهلم جرا. إن الثقافة العلمية لا تعني سوى معرفة الحقائق الأساسية حول نتائج العلوم، فالإنسان العادي غير مطالب بمعرفة دقائق كل علم وطرق معالجته المعقدة، بل هو ملزم بمعرفة الأمور العامة فقط.كما أن الوعي والثقافة العلمية لا تعني أن يكون المختص بالعمل في المختبر أو من يحفظ منهجاً علمياً كاملاً هو إنسان مثقف على المستوى العلمي، فمنذ بضع سنين تم إلقاء القبض على أستاذ جامعي عراقي بدرجة دكتوراه في الفيزياء وهو أمير في تنظيم القاعدة، والسبب في هذه الحالة غياب التفكير النقدي الذي يمثل أهم جزء في منظومة التفكير العلمي.لوسائل الإعلام دور كبير في نشر وتشجيع الثقافة العلمية، وهي تتحمل مسؤولية كبيرة في هذا الجانب، فنحن نلاحظ التركيز على حياة الفنانين وآخر أعمالهم، ولكن لا يوجد مثل هذا الأمر بالنسبة لآخر الاختراعات والاكتشافات العلمية، وبما أن الإعلام بكل أشكاله سواء التلفاز أو الصحف أو الانترنيت يمثل وسيلة للمعرفة لا تقل فائدتها عن الكتاب، يجب أن يتم تنمية هذا الجانب وتخصيص قنوات علمية أكثر، وأن تهتم الصحف والمجلات بتخصيص مساحات أكبر للثقافة العلمية، فهي تخصص صفحة كاملة للأبراج والنكات ولا تحتوي على صفحة خاصة بالعلوم.إن انتشار ثقافة الخرافة مرتبط بالأمية، الفقر، الديكتاتورية، التعصب الديني، وما شابه ذلك، وكل هذه العناصر تعد سبباً ونتيجة في نفس الوقت للتفكير الخرافي، فهذه العناصر تمثل عامل تغذية للوضع الراهن وهي بذلك تعمل على غرس جذور الخرافة في المجتمع.إن خطر انتشار التفكير الخرافي واللاعلمي لا يتعلق ببعض المعتقدات مثل الجن وتأثير الحسد وما شابه، بل يكمن خطره في عدم فهم الواقع بصورة صحيحة وهذا ما يؤسس لدخول تفسيرات غير واقعية وغير علمية في مختلف مناحي الحياة. ومما يدعو للأسف وجود عدد كبير من الناس الذين يتابعون برامج فتح الفال، تفسير الأحلام والشفاء من الأمراض بطرق روحانية، ولذلك يجب محاربة مثل هذه الأمور بأضدادها والعمل على نشر فكرة التعددية والاختلاف، ترسيخ قيم الديمقراطية والمدنية، التفكير النقدي، المفاهيم العلمية وفي هذه الحالة فقط يمكن أن نأمل حدوث تغيير واقعي.إن مدى تأثير الوعي العلمي على تقدم المجتمعات واضح وبيّن للجميع، فالعلم هو الوسيلة الوحيدة الناجحة التي يملكها الإنسان لإدراك العالم، وهو يعطي زخماً من الفهم حول قضية محددة، فإننا لو حاولنا تفسير مسألة معينة في الواقع مثل سبب مرض معين وعلاجه أو سبب حدوث ظاهرة غريبة من خلال ثلاث طرق هي: التفكير الديني، التفكير العقلي والتفكير العلمي، فلن ينجح إلا التفسير الذي يتبع أسسا علمية سليمة.من جانب آخر يمثل غياب الثقافة العلمية سيادة المفاهيم والأمور المعاكسة للعلم، مثل الطب البديل،تفسير الأحلام، قراءة الطالع، الأبراج وتأثيرها على الإنسان وغيرها من الأمور الأكثر غرابة، وهي منتشرة بكثرة في واقعنا العربي والعراقي بشكل خاص.
مستقبل الثقافة بين التفكير العلمي والتخبّط
نشر في: 24 أغسطس, 2012: 06:43 م