TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > سلاما ياعراق :عن إباحة شتم المسؤول

سلاما ياعراق :عن إباحة شتم المسؤول

نشر في: 25 أغسطس, 2012: 06:51 م

 هاشم العقابي عند لحظة الكتابة هذه، أكون قد أنهيت أكثر من خمس ساعات متواصلة من البحث عن تأكيد "مسلّمة" كنت مقتنعا بها لعشرات السنين فلم أجد ما يؤكدها. كنت مقتنعا، ولا أدري لماذا، بأن القضاء العراقي مشهود له بالقوة والعظمة والنزاهة. شعرت بالحاجة لتأكيد، كي يطمئن قلبي ليس أكثر. سبب البحث عن الاطمئنان أني قرأت مقالة للكاتب المصري رشاد كامل في مجلة "صباح الخير" المصرية استعرض بها قصة حول سلطة القضاء ببلده، رواها الكاتب مصطفى أمين في كتابه "صاحبة الجلالة في الزنزانة"، جاء فيها انه:
في سنة 1924 كتب الدكتور محمد حسين هيكل رئيس تحرير جريدة السياسة سلسلة مقالات هاجم فيها سعد زغلول رئيس الوزراء بقسوة وعنف، واتهمه أنه نصاب ومشعوذ ودجال وأفاق، وأنه خان ثقة الشعب، وباع مصر للإنجليز!! وكان سعد زغلول ليس رئيس الوزراء فقط بل كان زعيم الشعب وقائد ثورته، وزعيم الأغلبية الساحقة في البرلمان ومعبود الجماهير. تصور أنصار سعد زغلول أنه سيغلق جريدة السياسة بالضبة والمفتاح، وسيعلق المشنقة للصحفي الذي اتهمه بالخيانة العظمى. لكن الذي حدث أن سعد زغلول رئيس الوزراء فعل ما يفعله أي فرد عادي من الشعب، فقد قدم بلاغا للنائب العام ضد محمد حسين هيكل. وقدمت النيابة محمد حسين هيكل إلى محكمة الجنايات متهما بإهانة رئيس الوزراء، وترافع عنه المحامي توفيق دوس باشا الذي مات شقيقه يوم المحاكمة فبدأ مرافعته قائلا: تركت مأتم أخي، لأحضر مأتم الحرية! وحكمت المحكمة ببراءة هيكل وقالت في حكمها إنه: مادام سعد زغلول تعرض للعمل العام فيجب أن يتحمل النقد، وإن من حق الصحفي أن يهاجم الحاكم ويقول إنه نصاب ومشعوذ ودجال وأفاق وخائن وباع مصر للإنجليز، وأن هذا نقد مباح للرجال العموميين. احترم سعد زغلول حكم القضاء فلم يقبض على المستشارين الذين أصدروا الحكم، ولم يطلب من البرلمان أن يصدر قانونا يحمى فيه رئيس الوزراء وزعيم الأمة من النقد المباح وغير المباح. انتهت الحكاية.حكاية فجرت بداخلي سيلا من الأسئلة المرة، وأجابت عن أسئلة أخرى. أهم جواب بها كان عن سؤال: من أين تعلم المصري أن يكون حرا رغم الفقر وضنك العيش؟ وعن: من أين يستمد الكاتب المصري هذه الشجاعة ليقف بوجه الظلاميين المتاجرين باسم الدين والتدين ويلعن سلفه سلفاهم دون أي خوف أو وجل؟ عرفت أنّ من يعيش في بلد للقضاء به سلطة حقيقية سيعيش ويموت حرا.ومن بين الأسئلة المرة: هل لدينا من يروي عن قضائنا انه أعطى الحق للصحفي بكشف عورة الحاكم حدّ شتمه لأنه شخصية عامة ولا يحق له أن يتمتع بالحصانة التي يحظى بها المواطن العادي؟ وهل يعلم الحاكم، الذي عندنا، بأن هذه الامتيازات والفخفخة التي تحيط به والرواتب العالية، ثمنها أن يتحمل نقد الناقدين وشتم الشاتمين وليس له غير أن يذهب للقضاء شاكيا أو يضرب رأسه بالحائط فيستقيل حتى لا يشتم أو يهان؟لا أقول أني لا أحترم القضاء العراقي. ولا أنكر أن لدينا قضاة أكفاء في فهم أصول المحاكمات وتطبيق القوانين لكني أراه قضاء من دون سلطة. والقضاء الذي بدون سلطة مهما كان قويا يظل مثل الجيش القوي الذي يجيد خوض الحروب الخارجية أو قمع الناس وانتفاضاتهم لكنه لا يستطيع إزاحة حاكم دكتاتور واحد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram