TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قناديل:غياب الفكر النقدي وخراب الثقافة

قناديل:غياب الفكر النقدي وخراب الثقافة

نشر في: 25 أغسطس, 2012: 06:56 م

 لطفية الدليمي ( 3 ) لن تتقدم ثقافة مجتمع ما - بل لن يتطور المجتمع بكامله دون نمو فكر نقدي مستمد من فلسفة راسخة تتابع متغيرات المجتمع وتدرسها وتقدم  خلاصات ورؤى واقتراحات يستفيد منا قادة المجتمع السياسيون والأكاديميون  والمبدعون، فلو  تفحصنا سيرورة الفكر النقدي في الغرب لاكتشفنا أنه لم يصل الى ما وصل إليه إلا بعد ان نجح في فصل الدين عن الدولة وابعد سلطة الكهنة عن التأثير  في المجتمعات، وقامت على اثر ذلك الدولة المدنية الحديثة
بعد أن مرت المجتمعات بعصر وسطي مضطرب وعنيف شكّل جسرا رابطا  بين  مرحلتين وعهدين : عهد  هيمنة الكنيسة ورجالها وثقافتها على المجتمع والفكر والسياسة  والاقتصاد - وعهد  الفكر النقدي الذي افرزته الفلسفة الحديثة في ظل الدولة المدنية ومؤسساتها  التي تحررت من سطوة  الكنيسة  واستقل  فيها نظام الحكم عن ظلال الماضي وأحكامه وثبات مواقفه المتشددة، وصار من حق الانسان والفكر النقدي الذي انتجته المرحلة أن يتمرد  على الثوابت وينحو إلى الشك والنقد ورفض الإجابات الجاهزة  التي يقدمها الفكر الماضوي عن أسئلة البشر ومعضلات الوجود والحياة والموت. لقد نجحت تلك القوى المتشبثة بالماضي  وعلى مدى قرون في  احتلال العقل وتحجيمه وإلغاء فاعليته ومنعه من التساؤل والشك والابتكار ونصبت نفسها بديلا عنه في التفكير وتقديم الأجوبة الغيبية  وما عليه سوى  الرضوخ. ولو تفحصنا مدونة النقد الأدبي عندنا  مثلا لوجدناها تمتلئ باستشهادات ومقاطع كاملة مستلة من  نقاد غربيين  توصلوا الى  طروحاتهم  ونظرياتهم عبر رحلة معرفية طويلة ومضنية، وزاوجوا بين افكار فلاسفة من معاصريهم، وعايشوا كاتب النص المنقود  في بيئة مشتركة وخضع الاثنان لمؤثرات ومتغيرات  واحدة  – فكتب  الناقد  ما يمليه عليه وضع اجتماعي ومعرفي محدد  وساعده على استخلاص  موقف نقدي - ليس إزاء الأدب  والنص  المعني – بل إزاء نظام اجتماعي وسياسي وفكري و فلسفي متكامل ومترابط  ينطلق منه الناقد والكاتب معا في تعزيز قيم الحداثة وما بعدها ونقد  المجتمع المرتبط بها، بينما يلجأ معظم نقادنا - ونحن نعيش في مجتمعات ماضوية ساكنة متخلفة  – الى التطفل على المدارس النقدية الغربية التي افرزها المجتمع الحداثي المدني – المختلف كل الاختلاف عن مجتمعاتنا، فتبدو طروحاتهم غريبة ومعزولة عن مجتمعنا  السادر في عبادة ماضيه ولا سند لها من مرجعيات منطقية واستشهادات محلية من بيئة الكاتب وانعكاسات مجتمعه..  لقد ترسخت قيم الحداثة في البلاد الديمقراطية الغربية بازدهار الفلسفة والإبداع والفكر النقدي واستطاعت المجتمعات أن تستشرف مستقبلها وتتفحص امكانات حياة اكثر حرية ونضجا وأوفر إنتاجا  في  أفق الحرية  الواسع، وعند هذه النقطة ازدادت  مسؤولية الإنسان وضوحا  أمام تعدد  الخيارات - وواجه بخياره الحر معضلات الحياة دون الاعتماد على اجوبة جاهزة  من الماضي – ما دفع بالبشرية الى ذرى الإبداع والابتكار  والاختراعات التي غيرت وجه العالم المعاصر وبالمقابل يكمن ضعف  السياسة التي لا تتقبل النقد ولا تعترف  بالأخطاء وهي تواصل تبشير الناس بالمستقبل اليوتوبي الوهمي لترسخ  سلطتها  المستبدة دونما اداء واقعي وتشتغل منظومتها الفكرية على مصادر ماضوية  تناقض أية رؤى   مستقبلية، فتعيد السلطات المنبثقة عن الثورات والانتفاضات إنتاج الديكتاتوريات وتكررها لأنها لا تملك غير شهوة السلطة مع ادعاءات زائفة بالديموقراطية  فتمضي من فشل الى آخر رافضة  أية معارضة تختلف معها  وتنقد  سياساتها  الفاسدة – ليترسخ الخراب ويتبدد المال العام بين  أيدي  المتنفذين بينما تواصل منظومتهم الثقافية خداع الجماهير بوعد اليوتوبيا فلا  يسع  الجموع المحرومة  حينها إلا التشبث  بالوهم .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram