د. سعد بن طفلة العجمي* قبل سنوات، جرى نقاش بين كويتيين وعراقيين في ندوة بالكويت حول التسمية المثلى لما جرى للكويت في الثاني من أغسطس/آب عام 1990، وكان رأي العراقيين ومعهم بعض الكويتيين الحضور أن يسمى الغزو في ذلك العام المؤلم "بالغزو الصدامي" لأن في ذلك تبرئة للعراقيين من تلك الجريمة وربطها بعهد الصدامية البغيضة وحسب، وفي ذلك حصر للجريمة الشنعاء ومساهمة في رأب الصدع وبناء جسور الثقة. بينما انبرى فريق كويتي ومعهم قلة من العراقيين بضرورة تسمية الأمور بأسمائها،
كنت مع هذا الفريق الذي يرى أن الأفضل تسمية ما جرى "بالغزو العراقي للكويت"، وكان رأيي أن المسألة لا تعني إدانة العراقيين أو الشعب العراقي ولكنها مسألة وطنية كويتية تتطلب أن تسجل الواقع كما جرى: صدام فرد، وجيشه ومن اجتاح الكويت من مخابرات وحرس جمهوري وجيش شعبي ولصوص قاربوا المليون أو أكثر، وبالتالي فالقول بأن شخصا اسمه صدام غزا الكويت وكفى، فيه بتر للحقيقة ومخادعة للأجيال التي لم تعايش الاحتلال والغزو من أبناء البلدين. أسوق هذه القصة بمناسبة ما أثاره المسلسل الرمضاني "ساهر الليل: وطن النهار" الكثير من الجدل حوله، والجدل حول أي عمل إعلامي يعني أنه حظي بالمشاهدة والمتابعة، فأسوأ الأعمال الإعلامية هي تلك التي لا يتم التطرق لها بالنقد أو المديح، فذلك يعني أنها لم تحظ بالمتابعة المطلوبة فكانت طي النسيان.المسلسل هو أول عمل درامي من نوعه يسجل قصة الاحتلال العراقي بحبكة درامية حرص على أن يكون أبطالها من عائلة نصفها كويتي والنصف الآخر عراقي، وفي هذا المزج للشخصيات رسالة واضحة لكل متابع منصف أن الجريمة دفع ثمنها الشعبان معا، وأن ما جرى للكويتيين من محنة كانت آثارها لا تقل معاناة على الشعب العراقي نفسه. الشاهد أن العمل هذا يعد الأول من نوعه، وهو عمل كويتي بإنتاج شركة أم بي سي السعودية، وبالتالي فلم يكن توثيقا رسميا كويتيا لما جرى، ولو استثنينا مسرحية "سيف العرب"، فلا أعتقد أن أرشفة فنية قد تمت لتلك المرحلة السوداء في العلاقة بين الشعبين الجارين. لم يكن الغزو العراقي للكويت حدثا بسيطا، فقد غزت دولة عربية جارة شقيقة لها ومسحتها من الخارطة السياسية مع ما رافق ذلك من قتل وتعذيب وتشريد وتنكيل، وما زالت تداعيات ذلك الغزو وارتداداته بائنة للعيان وأوضحها في شكل العلاقة الكويتية-العراقية، ومن حق الأجيال العراقية والكويتية أن تفهم الزلزال المدمر الذي جرى بطريقة موضوعية وعلمية من شأنها إزالة آثار العدوان بما يمهد لجسور الثقة والتعايش بينهما. لا بأس من أن ينتقد بعض العراقيين العمل، ولا مانع من أن يعترض على حبكة العمل بعض الكويتيين أيضا، ولكن المهم هنا أن أعمالا فنية وثقافية مطلوبة لمعالجة تلك المحنة بصدق وموضوعية، بدلا من تركها نهبا للاتجار بها، أو تجاهلها ظناً أن التجاهل سوف يشبع فضول الأجيال القادمة من الشعبين، وبدلا من تسجيل ذلك الحدث بطريقتين مختلفتين تزيدان من التباعد وتعززان الفرقة. لا بد من أكثر من جزء لمسلسل "ساهر" كويتي-عراقي مشترك، يكتب نصه فريقان فنيان مهتمان، يؤرشفان تلك المرحلة بموضوعية وبطريقة فنية جذابة مثلما كان مسلسل ساهر الليل: وطن النهار. وكل عام وأنتم بخير* أكاديمي وكاتب كويتي
جسر ..ساهر كويتيّ عراقيّ
نشر في: 25 أغسطس, 2012: 07:01 م