لطيف القصاببالرغم من أن مفهوم النظام العائلي لم يتعرض إلى ضربة قاصمة حتى الآن إلا انه وصل في مراحل تاريخية من حياة بني الإنسان إلى تخوم القضايا التي تثير النزاع وتتعدد حولها الآراء والتأويلات، فبين من يرى أن العائلة تمثل حجر الزاوية في بناء
المجتمعات الإنسانية السليمة هناك من يكفر بهذه الحتمية ويستخف بأدلة وبراهين منظريها. وبينما تذهب نظرة البعض إلى تقديس رباط الزوجية بشكله العائلي التقليدي ثمة من لا يرى في الزواج إلا علاقة عابرة بين طرفين لا يهدفان من ورائها سوى تحقيق الاستمتاع الجنسي من دون التفكير بتحقيق نظام يتكفل بتأسيس أسرة تحفظ لإفرادها حقوقهم المادية والمعنوية، وليس مهما لدى هذا الفريق أن ينأى الزواج بحرارة الحاجة إلى الشريك عن الفوضوية ويسقط في براثن الإباحية والانحلال أو تنتفي عنه صورته الطبيعية المألوفة فيصبح اقترانا بين متشابهين أو متشابهات جنسيا. ترى ما الذي أوصل البعض من بني الإنسان إلى التفكير بهذا المستوى والى أي مدى يمكن لهذا النوع من الأفكار أن ينمو ويزدهر أو يضمر ويتراجع؟ إن هناك فرضيتين جاهزتين تلوحان في الأفق وتسهمان إلى حد ما في بلورة بحث يحاول استقصاء علل هذا الانحدار الغريب في التعاطي مع مسألة اجتماعية على قدر كبير من الأهمية والتأثير، الأولى تفسر الأمر على انه مصداق لصحة الفلسفة النسبية التي تُخضع سائر الحقائق المسلم بها بين البشر ومنها النظام الأسري إلى قوانين الاستحالة والاضمحلال بحسب العصور والأمكنة والموافقات الاجتماعية، والثانية تحيل الأمر إلى النظرة الذاتية التي تُعلي إلى حد التقديس من أهمية الذات البشرية فيما تُزري بما سواها من القيم والاعتبارات. وبقدر ما يتعلق الأمر بالنسبة للناظرين إلى النظام العائلي على انه نموذج تطبيقي للفلسفة النسبية فان ما يؤخذ على هؤلاء تناسيهم لحقيقة أن النظام العائلي كان على الدوام يعيش جنبا إلى جنب مع نقائضه من الأنظمة الأخرى كالرهبانية والعزوبية والإباحية...الخ ولم يقف تاريخ الإنسان على حقبة محددة اسلم المجتمع المتحضر فيها الزمام إلى النظام العائلي وحده أو إلى أي نظام مغاير أو مقابل بل كانت أساليب الحياة الزوجية على الدوام تتواجد مجتمعة وبنسب متفاوتة في اغلب العصور والأمكنة التي استوطنها الجنس البشري منذ القدم ولم يشذ عن ذلك المسار التاريخي إلا بعض المجتمعات المغلقة وربما بعض الأقوام المنقرضة، كما إن الغلبة دائما كانت وربما مازالت في حوزة من يتخذون العائلة نظاما حياتيا بمعناه الديني أو القانوني الذي يشترط وجود عقد شرعي أو عرفي بين شريكين ذكر وأنثى يوفر لهما قضاء حاجتهما الطبيعية من المتعة الجنسية ويستلزم ضمنا التعهد بأداء مسؤولياتهما الأخلاقية تجاه ذريتهما المحتملة بطريقة تملي لاشعوريا على الفرد المنتج في العائلة الواحدة أن يكون مسؤولاً عن الأفراد الآخرين الذين لا يستطيعون الكسب بسبب السن أو المرض أو العجز الطبيعي، ولا يسقط هذا الواجب عن القادر في العائلة تجاه العاجز منها إلا عندما تتدخل جهة أكثر اقتدارا على أداء هذا الفرض وتحظى برضا العائلة المعنية كبعض مؤسسات الرعاية الاجتماعية التابعة للدول وبعض المنظمات الخيرية وبخلاف هذا الأمر سيتحول النكوص عن رعاية العاجزين إلى وصمة اجتماعية لا قبل لأي كائن اجتماعي بتحملها. ومع التسليم بهذا الطرح فلا يمكن تفسير الابتعاد عن النظام العائلي بالفلسفة النسبية لانتفاء وجود شرط الموافقة الاجتماعية اللازم لإثبات مخرجات هذه الفلسفة وتعذر العثور على نماذج حية لها في الماضي والحاضر، فقضية مثل الزواج الطبيعي المؤدي إلى تكوين عائلة كانت ولا تزال من الحقائق الراسخة والمتفق عليها مبدئيا في الإطار الإنساني العام ولم تهبط إلى مستوى الاندثار والتلاشي رغم الإقرار بكونها تحولت غير مرة إلى قضية تثير الجدل التفصيلي بين الغالبية العظمى من البشر وبين دعاة الانحلال أو العزوبية ونحوهم، لكن لم ينته الأمر إلى هذا الحد فثمة فلسفة أخرى تتحمل المسؤولية عن حدوث هذا التصدع في الكيان العائلي ألا وهي النظرة الذاتية للكون والحياة والتي تشيع في العدد الأكبر من دول العالم الغربي وتتبنى العمل بمقتضاها العديد من الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني في تلك البقاع، إذ أن المنطلقات الفكرية لهذه المنظومة المعرفية كانت دائما تقف بقوة وراء محاربة النظام العائلي عن جهل أو دراية وهذه العقيدة تمحورت تاريخيا حول فكرة التركيز على الذات إلى الحد الذي يحس فيها البعض بسذاجة الحاجة إلى إرساء نظام للعائلة الواحدة والاكتفاء بانتماء الفرد لنفسه وعلى هذا الأساس ماعاد الفرد هناك يتذكر الشريك الآخر إلا عند الاحتياج الجنسي فحسب وشاع في نفس هذا الفرد الإحساس بالزهد تجاه المشاعر العاطفية التي تتجاوز المستوى الجنسي، وأصبح من المألوف أن يتبادل الآباء والأبناء مشاعر القسوة والجحود وان تنبني العلاقات بين الأزواج على أسس اقتصادية بحتة فلكل حصته المعلومة من البيت وأثاثه ومعظم المتزوجين على أهبة دائمة للانفصال والرحيل عن الآخر. وقد مرت برامج المنظرين لنبذ النظام العائلي في الغرب بمراحل مختلفة تراوحت بين الدعاوى المبطنة والضمنية إلى إلغاء ا
النظام العائلي والبدائل الصناعية
نشر في: 19 أكتوبر, 2009: 04:40 م