د. مهند البراك منذ تأسيس الدولة العراقية و بنائها على أساس دستور و مجلس نواب، و الإعلان عن أن الدولة تقوم على السلطات التنفيذية و التشريعية و القضائية كما في العالم المتحضّر، لم يعش العراقيون رجالا و نساء في الواقع لسنوات طويلة إلاّ تحت سلطة القوة السياسية المهيمنة المعلن عنها و سلطة قوانين الأحكام العرفية و أحكام الطوارئ . .
ثم عاشت البلاد في ظل أحكام عسكرية متواصلة منذ استئثار العسكريين بالحكم و تبادلهم دكتاتورياتهم بالعنف، إلى انهيار آخر الدكتاتوريات التي حكمت بإرهاب وعنف لم تشهدهما البلاد من قبل، باسم حزب حاكم فصّل الحكم و الدولة و القانون على مقاسه و وفق مشاريعه الغامضة . . حتى صار القانون (ورقة يوقعها صدام)، و إنه لا يتطلب إلى أكثر من (مسدس بالحزام و شهادة قانون في الجيب) على حد تعبير الدكتاتور المباد، و قام على تلك الأسس بإعادة تشريع القانون مستنداً إلى (خبراء و حَمَلة شهادات بالقانون) لقوننة أعماله التعسفية في عمليات سُمّيت بـ (إصلاح القوانين وإصلاح وزارة العدل)، وشيّد بذلك دكتاتورية على أساس (القانون) . . ليقول إثر تزايد الاحتجاجات الدولية على كثرة المظالم، و على كثرة أحكام الإعدام التي كانت تصدر في الظلام و تنفذ سريعاً، ليقول ( أننا دولة قانون . . و أن قوانيننا هي هكذا و لابد أن نحترمها)، في سعي يرى فيه محللون، أن دولة نفطية غنية بالفكر و الثقافة و تفعل فعلها في السياسة و الاقتصاد العالميين، لابد أن تقوم على قانون ـ أيّ قانون ـ شرط أن يكون معترفاً به من قوى متنفذة دولياً سواء كانت احتكارات أو دولاً كبرى، كي يُعترف باتفاقيات حكمه لها و تعهداته في المحافل الدولية . .و يرى متخصصون أن الاحتكارات الدولية الغربية و الشرقية التي دعمت الدكتاتور و تعاملت معه، رأت و ترى أن صياغة القانون في البلاد لابد أن تنطلق من زاوية مصالحها هي و وسطائها الداخليين و الدوليين، كي تؤمّن لها تلك المصالح و كي تستطيع تغطية نفقات الحاكم المطيع لها وتغطية نفقات دعمه، مهما سبّب ذلك من مخاطر بالصالح العام . و على ذلك بقيت القوانين التي تتحكم بالمفاصل الأساسية و الحساسة في البلاد غير معلن عنها و بقيت مبهمة . . كقوانين النفط، الميزانية السنوية الحقيقية، النفقات الخاصة التي فاقت و لاتزال حتى الآن تفوق الميزانية المعلنة، قوانين الحريات، قوانين و واجبات و حقوق مواطن الشعب مالك الثروات . . رغم الدعوات إلى إعادة صياغة القانون العراقي إثر سقوط صدام، و إلى خلق سلطة قضائية تناسب الدستور الذي جرى التصويت عليه ـ على ثغراته ـ، في مرحلة دولية و إقليمية جديدة تدعو إلى إنهاء الدكتاتوريات و إقامة حكومات مدنية دستورية على أساس تبادل سلمي للسلطة بانتخابات، في زمان العولمة و تزايد العلنية و خروج الاحتكارات الكبرى المتعددة الجنسية عن بنيتها الكلاسيكية ـ من صناعية و علمية، مالية و نقدية، جيوسياسية، إعلامية و ثقافية إلى غيرها ـ و خروجها حتى على سياسات حكوماتها إن تحددت (*) . . و فيما تثار نقاشات حامية حول محاولة حكومة المالكي إعادة بناء المحكمة الاتحادية العليا التي أقرّ تشكيلها على أساس الدستور . . محاولتها لتكون على أساس المحاصصة الطائفية و العرقية و على أساس تمتع الفقيه المذهبي ـ الطائفي ـ بحق الفيتو على قراراتها و ليس تمتعه بحق الاستشارة. الأمر الذي يرى فيه كثير من المتخصصين القانونيين و السياسيين بكونه انقلاباً خطراً على مواد الدستور وروحه الداعية إلى قيام حكم مدني يسعى للمّ شمل العراقيين رجالاً و نساءً، على اختلاف أطيافهم الدينية و المذهبية و القومية في إطار دولة اتحادية دستورية برلمانية، و أن ذلك يؤسس لقيام دولة ولاية فقيه طائفية تنسجم مع نهج و سياسة ولاية الفقيه في إيران التي صارت تهدد و تضغط على تابعيها، و تمدّ يدها لكل من يمكن أن يساعدها في الوقوف أمام ضغوطات شعوبها من جهة و ضغوطات المقاطعة الاقتصادية الدولية لها. وتحاول بدعم من احتكارات كبرى منافسة احتواء الصراعات السياسية و الاقتصادية وصراعات المكوّنات الديموغرافية ـ خاصة الطائفية شيعيّة و سنيّة ـ في المنطقة، بتوظيف ثروات شعوبها النفطية و الغازية، إثر تخوّفها من تزايد احتمالات سقوط عائلة الأسد في سوريا، التي ترى فيها حكومة نجاد القلعة الأساسية لها في سعيها للهيمنة على شؤون المنطقة في تنافس حاد مع دول الخليج . . الأمر الذي يزيد مخاوف حكومة المالكي من السقوط في أوحال مستنقع طائفي جديد، و تحاول من خلال حزمة من القوانين المخلّة بالدستور إيجاد طريق لتفاديه من أجل بقائها . . غير مدركة أو مبالية بأنه قد يسرّع من سقوطها فيه، وفق عديد من المحللين و وكالات الأنباء . و يرى آخرون تزايد احتمالات تصدّع تحالفات طائفية و قيام أخرى جديدة في دول المنطقة، بتركيز شعارات تدعو إلى الوقوف أمام (العدو الديني)، المجسد في الدولة العبرية . الذي يذكيه نهج الآلة العسكرية الصهيونية المتغطرس. و يحذّرون من أن منظمة القاعدة الإرهابية قد تطوّرت أعمالها من أعمال العصابات، إلى محاولة إقامة دولة مستقلة لها كما يجري في اليمن ـ و محاولاتها لإقامة دولة داخل دولة في دول أخرى كالعراق حيث تتزايد عملياتها الإرهابية و تعاونها مع فلول صدا
فيتو الفقيه و مخاطر القاعدة
نشر في: 27 أغسطس, 2012: 06:22 م