أحمد عبد الحسينمن يقرأ كتب التأريخ العربيّ، الكامل لابن الأثير مثلاً، سيجد أن حروبنا الطائفية الجديدة منذ عام 2003 وحتى اليوم تتطابق بآلياتها وخطابها العسكريّ والعقائدي وسمات وملامح قادتها ورموزها الدينية والميدانية، مع حروب القرنين الرابع والخامس الهجريين، فهناك قتل على الهوية، سيطرات وهمية كان ينصبها المتحاربون على الجسر الحديد، تهديم للمراقد "كما حدث سنة 443 حين أحرق قبر الإمامين الكاظميين،
وهجوم الكرخيين المتكرر على قبر أبي حنيفة، حروب اللافتات والشعارات التي كانت توضع على الحوائط، في سنة 444 كتب أهل الكرخ لافتة بالذهب في مدح أهل البيت هجم عليها أهل الرصافة ومحوها ووقعت حرب عظيمة، هناك حوادث خطف وابتزاز للحصول على المال، حتى أن هناك أيضاً علاسة وصكاكة مشهورين.بقدر ما يتعلق الأمر بحرب داحس والغبراء هذه، لم يتغير شيء منذ ألف سنة تقريباً، حتى ثقافة المصالحة المضحكة التي صرفت اليوم من أجلها المليارات دون جدوى، كانت تقام هناك أيضاً وتستمر لأيام تقام فيها الولائم والصلوات الموحدة، أشبه ما تكون باستراحة محاربين يلتقطون أنفاسهم ريثما يعودون إلى عملهم الذي لا ينتهي: القتل المفضي إلى قتل.جاء في حوادث سنة 442 : "كان من العجائب أنّه وقع الصلح بين أهل السنّة والرافضة وصارت كلمتهم واحدة، واجتمعوا وتحالفوا، وأُذّن بباب البصرة "حيّ على خير العمل"، وقرئ في الكرخ فضائل الصحابة، ومضى أهل السنة والشيعة إلى مقابر قريش، .. فتصالحوا على هذا الأمر اليسير.. وفي صفر تجدّدت الفتنة ببغداد بين السنّة والشيعة وعظمت أضعاف ما كانت قديماً، فكان الاتفاق الذي ذكرناه في السنة الماضية غير مأمون الانتقاض لما في الصدور من الإحن".منذ ذلك الوقت لم تعد الحرب الأهلية طارئة علينا، صارت ثقافة، نتوقف عنها لنتهيأ لشوط أشد قسوة منها، ثمة خلل حيّ له روح يتنفس في تأريخنا وهو ليس سوى لبّ هذه العقائد وجوهرها، ولا يتعلق بالمتحاربين بل بعقائدهم التي هي وصفات مجربة لخلق صراع دائم.ما مناسبة هذا الحديث الذي هو ليس بجديد ولا اكتشاف فيه؟ مناسبته الأخبار التي تترى اليوم عن "جهات مجهولة" تشتري السلاح من المواطنين وسط وجنوب العراق بأسعار مبالغ فيها "لإخلاء المنطقة من السلاح"، وهو أمر حذر منه نائب في البرلمان، بل بلغ الأمر حدّ أن أفتى السيد الحائريّ اليوم بحرمة بيع السلاح مؤكدا أن من فعل ذلك ارتكب "إثماً كبيراً"، ويعد شريكا في الجرائم التي سترتكب بالسلاح الذي يبيعه.الأرض تسوّى وتهيّأ لجولة جديدة إذن، ثمة شيوخ ينفخون في الجذوة التي لم تنطفئ، وأحداث سوريا جعلت أشباح السفياني وأتباعه تطوف بين بيوتنا، العقائد في ربيعها وستتفتّح عن مائدة دم جديدة.لا نحتاج إلى كتابة تأريخ الحرب التي ستقع، إنها مكتوبة في كتب الملاحم والفتن التي ستحدث في المستقبل كما هي مكتوبة في كتب التأريخ، لا جديد تحت شمس العراق فكلما ما يجري جرى، حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل. وما نحن إلا دمى وبيادق في أيدي قادة أموات أحياء، يموتون ليولدوا ويموتون ليولدوا أشد قوة وفتكاً وتمسكاً بالعقيدة!
قرطاس :زومبي!
نشر في: 27 أغسطس, 2012: 06:25 م