TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > نص ردن:"جرجوبة" أبو غانم

نص ردن:"جرجوبة" أبو غانم

نشر في: 27 أغسطس, 2012: 07:10 م

 علاء حسن في زقاق  ضيق بمنطقة الكاظمية يقع محل أبو غانم لإنتاج الكعك والبقصم ، الرجل تجاوز السبعين ومازال يشارك الأبناء والأحفاد في إدارة العمل ، وعرف عنه أنه يحتفظ في داخل محله بصور شخصيات سياسية ومسؤولين من العهدين الملكي والجمهوري ، والصور وضعها داخل إطار "جرجوبة" الواحدة فوق الأخرى ،  فالتاريخ السياسي الحديث  لدى أبي غانم صورة تتبعها  أو تلغيها أخرى ، وهذه الطريقة  هي الأقرب للواقع ،أو هكذا وجدها أبو غانم.
بعض الصور اختارها  نتيجة إعجاب وفي بعض الأحيان عن قناعة بمواقف وإيمان مطلق بأن صاحب الصورة يمكن أن يحقق الخير للشعب العراقي ، وهذا التصور كان  يستند إلى حوادث وشواهد ، ومع دخول البلاد في مراحل الصراع السياسي  وهيمنة الحزب الواحد ،  احتفظت الجرجوبة بصورة شخص واحد أخفى عشرات الصور خلفه لتؤكد حقيقة التسلط والهيمنة،  والتشبث بالسلطة عشرات السنين ."جرجوبة أبو غانم "كانت محور قصة صحفية نشرت في إحدى الصحف الفرنسية ، في  شهر تموز من العام 2003 ، فأثناء  بحث الصحفي الفرنسي كاتب القصة عن سر إعجاب العراقيين بالزعيم الراحل عبد الكريم قاسم  ، قادته المصادفة إلى محل أبي غانم  فتعرف على "الجرجوبة"  فكانت خير استهلال لقصته، وعندما اطلع الرجل على الصحيفة وبمساعدة مترجم ادرك بانه كان خير مؤرخ بشكل عفوي  للأحداث السياسية  في بلده عن طريق "الجرجوبة".وأغرب ما ورد في القصة أن  كاتبها الفرنسي لخص ماشهده العراق من انقلابات عسكرية  وأحداث دموية على مدى عشرات السنين، مع إشارة إلى ارتفاع درجات الحرارة ، وخصوصا في شهر تموز ، فصاحب "الجرجوبة" تحدى ظروف العمل الصعبة داخل الفرن  لإنتاج الكعك محتفظا بصورة زعيم أو شخصية سياسية كرمز  لتحقيق أحلام وتمنيات سرعان ما تبددت وتلاشت ، فأصبح الاحتفاظ بالصورة وراء السطح الزجاجي  المغطى بالغبار الكثيف والدخان الأسود وسيلة لإعلان الولاء  أمام رجال أمن  السلطة .الصحفي الفرنسي  شجع أبا غانم على الاهتمام بالجرجوبة فنقلها إلى منزله ،  وجعلها محور حديثه مع  من يرغب في كشف  محتوياتها من صور ، مع إطلاق حسرات وإبداء آسف شديد لأن الدولة العراقية التي أعلن عن تأسيسها في العقد الثاني من القرن  الماضي لم تستطع الوقوف على أقدامها بعد ، وبتبديد الثروة والدخول في صراعات بين القوى السياسية ، وصلت إلى عمليات تصفية منظمة ، ضاعت  فرص  بناء الدولة ، والجرجوبة اليوم  لا تضم صورة شخصية قادرة على تحقيق الحلم  المؤجل لأبي غانم .بعد مرور سنوات على نشر قصة الصحفي الفرنسي،  وفي حال عودته ثانية للعراق ، فإنه سيلتقي أبا غانم ، للاستفسار عن أوضاعه الصحية في الأقل ، وسيخرج بقصة جديدة تسلط الضوء على  خيبة العراقيين من سرقة الديمقراطية وتسخيرها لخدمة  شخصيات،تحرص دائما على تلميع صورها  بقوة السلاح وليس برغبة شعبية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram