TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن: من الكاذب الصور.. أم أصحاب الفتاوى؟

العمود الثامن: من الكاذب الصور.. أم أصحاب الفتاوى؟

نشر في: 27 أغسطس, 2012: 09:41 م

 علي حسينفي معظم الوقائع والإحداث التي تتعلق بالحريات نجد محافظة بغداد سباقة في إصدار بيانات تنكر فيها كل الوقائع والدلائل، لا تريد أن تعترف بالصور، ولا بما تراه العين المجردة، ولا بأحاديث الناس، المهم لديها إن ما تنشره وسائل الإعلام مجرد مبالغات تسيء الى سمعة العاصمة، الإنكار كان ولا يزال شعار مجلس محافظة بغداد،
لا تضييق على الحريات، هذا ما أجادت به قريحة المحافظة أمس وهي ترد على التحقيق الذي نشرته المدى حول منع المرأة السافرة من دخول أسواق مدينة الكاظمية، فالمجلس نفى في بيانه جملة وتفصيلا إصداره قرارا أو تشريعا يلزم النساء بارتداء الحجاب، كشرط للدخول إلى مدينة الكاظمية. ليأخذنا معه في رحلة الإنكارهذه، وبرغم أنني كنت قد أخذت عهدا على نفسي ألاّ ادخل في مجادلات عقيمة مع مجلس محافظة بغداد وأركان حكمه، إلا أن بيانه الكوميدي يوم امس كان أقوى من طاقتي على الوفاء بالوعد، فالمجلس يريد أن يدخلنا في حوار عقيم اشبه بحكاية القوم الذين اخذوا يتجادلون ويتخاصمون حول مسألة هل البيضة أصل الدجاجة أم العكس؟ تاركين مصير بلادهم للأقدار، فالسادة اعضاء المجلس مصرون على المضي قدما في هذا النقاش العقيم، هذا هو حالنا اليوم معهم، فلم تعد الوقائع والشواهد التي يقدمها الاعلام تثير اهتمامهم، ففي الوقت الذي يقسم رئيس اللجنة القانونية في مجلس المحافظة صبار الساعدي من أن لا وجود لقرار يمنع النساء السافرات من دخول مدينة الكاظمية، تنشر المدى على صفحتها الأولى لافتة تؤيد القرار وهي معلقةً تشمخ على واجهة إحدى السيطرات في الكاظمية. ولأن الأمر لا يخرج عن كونه كوميديا من النوع الرخيص فقد كنت أتمنى على السيد عضو مجلس المحافظة أن يجيبني على سؤال يحيّر جميع أهالي بغداد: ترى من اصدر القرار ومن علق هذه اللافتات، وهل هناك حكومة محلية أخرى غير مجلس محافظة بغداد؟والسؤال الأهم: هل كان أهالي بغداد يتصورون يوما أن عقود الظلم ستنتهي بهم الى أن يحكمهم رجال يريدون أن يعيدوا البلاد إلى عصر الحريم والجواري، وأن التغيير الذي حلم به الملايين سينتهي إلى كائنات تعشش في عقولها خرافات القرون الوسطى؟ من سوء طالعنا جميعا أن تتحول مؤسسات الدولة إلى ملكيات خاصة يمارس فيها المسؤول سلطة الأب الشرعي فيجيز هذا ويمنع ذاك، اليوم الكثير من سياسينا يريدون دفع المجتمع إلى حفرة يغطون عليها بعقدهم وأمزجتهم الشخصية، ساسة يديرون سراديب سرية من التخلف والانتهازية واللصوصية، ويستمدون قوتهم وسطوتهم من خطاب سياسي ينشر مناخ التخلف والاستبداد والدكتاتورية المقيتة، فهم يريدون ان تتحول المرأة الى قطيع يحكمونه بـ"فحولتهم" التي يسعون إلى أن تكون خالدة والى الأبد، وفي المقابل تقهر النساء ولا يحصلن على براءة اعتراف إلا إذا وافقن على أن يكنّ جزءا من القطيع. غير ذلك تصبح كل امرأة منبوذة، وخارجة عن الدين والسلطة، فهي دون حجاب أو نقاب عارية ومنتهكة، ليس لأنها غير متدينة، بل لأنها خارجة عن تعاليم أولي الأمر والنهي. ما يجري في قضايا المرأة ومكانتها في المجتمع وما يتعلق بالحريات الشخصية والعامة، يؤكد أن الأمور تجري بلا قانون يرسم العلاقة بين الفرد والسلطة، فببساطة يمكن لأي رجل امن أن يستمتع بتوقيف شباب يرتدون ملابس لا تأتي على هواه، برغم أن هذا ليس من حقه، ولا من حق أي شخص ما داموا لم يعتدوا على حرية أو أمان المجتمع. لكن رجل الأمن المغوار يرى أنه وحده، يملك حق تنفيذ قوانين من صنع أفراد لا ينتمون إلى هذا العصر، بهذا المنطق نفسه تطارد فتاة لأنها ارتدت ملابس تبرز جمالها، فنرى حماة الأخلاق يمارسون عليها رقابة أخلاقية مريضة تضعها في خانة "الإثارة" ولهذا فمن حقهم أن يتحرشوا بها ويضايقوها كنوع من ممارسة سلطة تريد أن تمنع النساء من ممارسة فضيلة الحرية والامان، وبهذا المنطق ايضاً فان نسوة وفتيات العراق مطالبات بأن يقدمن الشكر لحماة الفضيلة في مجلس محافظة بغداد الذي يسعى في كل مرة إلى إنقاذهن من الفتنة والغواية، وفتح أمامهن نوافذ المستقبل الوردي الذي سينتظرهن لو التزمن بتعليمات دراويش المجلس مضحك ومثير للسخرية أن يتشدق أعضاء المجلس بالحديث عن الحريات ونقول لهم، فليكن ذلك ولكن بمفهوم الحريات التي أكد عليها الدستور، وليس على هوى المجلس الذي يريد، أن يفصل لنا حريات وقوانين على مقاسه، حيث يتم اللعب بالجمل والشعارات والعبارات "لعبة الثلاث ورقات".. مع أن النصوص والأحكام واضحة وراسخة ولا تقبل التحايل أو التأويل.السادة أعضاء مجلس المحافظة، إما أن تصمتوا أو تستتروا، فلا خيار ثالث أمامكم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram