TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس:الطاغية المستشار

قرطاس:الطاغية المستشار

نشر في: 28 أغسطس, 2012: 07:55 م

 أحمد عبد الحسين أفرحتني رسالة محمد علاوي إلى المالكي. مفرحة لأنها حملت استقالة أول وزير في حكم المالكي، عسى أن تشيع هذه الثقافة في نفوس الفاشلين الملتصقين بكراسيهم، ولأنها أوضحت أن تدخلات رئيس الوزراء في عمل وزارته يأتي غالباً لأسباب سياسية، إضافة إلى إيضاح أن هناك عيوناً وأياديَ له في كل وزارة.
استقال وزير الاتصالات من منصبه بسبب مستشارة، قال هو عنها "إنها بعثية" وإنها "هي التي أهدت صدام هاتفاً خلوياً بصناعة عراقية" وإنها "وشت بأحد زملائها وكادت أن تؤدي به إلى حبل المشنقة". كل ذلك في رجم الغيب ومنوط بذمة الوزير المستقيل، لكن ما يهمنا هنا هو أن مستشارة في الوزارة لها القدرة على أن تزاحم الوزير على عمله وتناكفه وتضطره أخيراً إلى ترك منصبه.هذه مستشارة حديدية، ففي العادة يقتصر عمل المستشار على تقديم المشورة والنصح غير الملزمين، يتساوى في ذلك الذكور والإناث على حد علمي، لكن مستشارتنا كانت لها سلطة تنفيذية أيضاً بدليل قول الوزير المغلوب على أمره "انه لايمكن إدارة الوزارة برأسين ولايمكن إنجاز الأعمال من قبل مرعوبين لا يعرفون بأي تهمة سيتهمون ومتى يعتقلون".ما القوة التي تمتلكها هذه السيدة "التي يبدو أنها متعددة الاختصاصات فمن مستشارة في التعليم إلى الاتصالات"، ما القوة التي جعلت موظفين كباراً في الاتصالات يخشون الاعتقال بسببها، على حد قول محمد علاوي؟سأقول لكم مفتاح حلّ هذا اللغز، هذه السيدة من حزب الدعوة ومقربة من المالكي. وهذا هو الجواب الشافي الكافي الجامع المانع. ليس هذا فحسب، 80% من المستشارين في الوزارات هم من الدعوة ومن أهل الحظوة عند رئيس الوزراء. سرّني بذلك اليوم قيادي كبير في التحالف الوطني.لا غرابة أن تحقق الحكومة رقماً قياسياً في الفشل على كل الصعد، إذا كانت تمشي أمورها بهذه العقلية الاستخباراتية التي تضع مستشارين لمراقبة ومعاقبة من لا يثبت ولاؤه.كل الأحزاب العقائدية، وليس حزب الدعوة فقط، تعتاش على مؤامرات "أحياناً مغرقة في التفاهة والصغار" وعلى دسائس وعمل مخبرين ووشاة وكتبة تقارير وتسقيط وشائعات. هذا عمل أحزاب كهذه قبل أن تقفز إلى الحكم، لكنها حين تصبح حاكمة وتستمر بهذه الروحية البشعة فإنها تغامر بتخريب البلاد وظلم العباد، وهو عين ما يجري اليوم في العراق.لست آسفاً على استقالة الوزير علاوي، ولا أظنّ انه مثال في الكفاءة بحيث تؤلمنا استقالته، لكن فقرات في رسالته تبدو مضحكة حقاً وهي التي يعدد فيها امتيازات الوزراء "التي يقول انه لم يحظ بها كسائر زملائه": بيوت وأراضٍ وسيارات مصفحة وغير مصفحة وعمولات ورشى وخدم وحشم.بعد كل هذا من يستطيع أن يعمل بإخلاص؟ من يستطيع أن يمارس شغله بشرف إذا كان سيف مستشاري الحزب القائد مسلطاً على رأسه، ومن لم يخف من سطوة الحزب وقع في بحر الرذيلة والفساد وإغراء المال الحرام.ليست الحكومة فاشلة بالصدفة بل بسبب عمل دقيق ومتقن وإستراتيجي.  

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram