كاظم موسىمن المحزن والمؤسف ضياع جهود سنين طوال من العمل المضني جراء سوء الإدارة والتنظيم التي نجم عنها تراكم الأخطاء التي أصابت مقتلها، فالفوضى العارمة التي اجتاحت العراق عبر السنين المنصرمة شملت هذا السوق الذي يعد المركز التجاري الأول والاقدم في العراق،
إذ طرأت ظواهر تردٍ عديدة على هذا السوق ابتدءا من دخول موجة من تجار (آخر زمن) الذين لا يفقهون سوى اكتناز اكبر كم من الارباح في اقصر فترة ممكنة وتمركزهم بشكل مكثف في هذا السوق على خلفية قرار الاستيراد من دون تحويل خارجي الذي سمح لكل من هب ودب بممارسة مهنة التجارة بعيداً عن الضوابط والأعراف والقيم وشرف المهنة، كذلك زحف أصحاب البسطيات وباعة الأرصفة على هذا السوق بشكل (فوضوي) جعل التبضع والمرور فيه مشقة كبيرة ومجازفة لانتشار السراق بشكل ملفت الى جانب الاكتظاظ غير المنطقي فيه.وضيق ممراته وقدم خاناته وافتقارها الى ابسط وسائل التهوية حد العفونة الى جانب انتشار أكوام النفايات فيه والجانب الأكثر خطورة فيه انتشار المخازن بشكل عشوائي وغير منظم فعملية خزن البضائع يجب ان تخضع لضوابط محددة وفق نوع وكم تلك البضائع كالسعة وقابلية الخزن وأساليب المناولة والتهوية واحتياطات خزن المواد القابلة للاشتعال ووسائل معالجة الحرائق وطغيان المياه الجوفية والسطحية والبدائل في حالات الطوارئ كل ذلك لم يؤخذ في الحسبان والنتيجة خسائر مادية جسيمة جراء الحريق قدرت بشكل أولي بنحو (ملياري دولار) وهذا المبلغ الكبير يمثل ضربة قوية لعصب الاقتصاد العراقي الذي يعاني من مشاكل متعددة تتمثل بانهيار الصناعة المحلية وتفاقم الاستيراد والبطالة والمديونية الخارجية ومطالبات التعويضات غير المحددة الى جانب تبعات الوضع الأمني الذي انعكس بشكل سلبي على سوق الاستثمار وحال دون دخول الرساميل الخارجية الى العراق لذلك يعد الضرر مركبا وكبيرا ومن غير المستطاع تعويضه بفترة زمنية محددة، اما دعوات التعويض فلن تغني شيئا عن واقع الحال اذا ما حصلت فالكارثة اكبر من ان تعوّض بشكل جزئي هذا الى جانب احتمال تكرار حوادث الحريق في هذا الجزء او ذاك من هذا السوق فالأسباب قائمة لذلك لا بد من إعادة النظر بكيان هذا السوق (المتخلف) مقارنة بأبسط الأسواق في الدول المجاورة (سوق الحميدية في دمشق) اذ ان الإصرار على الإبقاء على هذا السوق بهذا الوضع المزري بدعوى العراقة والتراث فيه من اللغط الشيء الكثير، فالتخلف لا يرتبط بالماضي المجيد والتقدم يرتبط بالحاضر التليد ولم تكن العراقة مرتبطة عبر الزمن بالفوضى والتخلف والتعفن انما هي نتائج حاضرة انسانية مبنية على العقل والمنطق والجهود البناءة فشتان بين التراث وبين الخرائب.لذلك يجب على الجهات ذات العلاقة وضع خطط لبناء أسواق حديثة بمساحات واسعة تتناسب مع مساحة العراق والتطور الحاصل على صعيد التجارة العالمية والمحلية ومراعاة النمو السكاني في العراق واحتمالات المستقبل بدلاً عن إضاعة المال والجهد على سوق متخلف لا تتوفر فيه ابسط مقومات الأسواق في الدول المجاورة، إذ لا يعدو هذا السوق كونه (سوق هرج) للفوضى العارمة التي تجتاحه وبناء الأسواق العصرية المتخصصة سيكون أجدى وأوفق من إعادة اعمار الخرائب فلا بد من التثقيف صوب مساهمة القطاع الخاص لبناء أسواق عصرية بعيداً ولو بشكل نسبي عن مراكز المدن التي تشهد اختناقات مرورية وضائقة كبيرة لمرور السابلة لكثرة المتبضعين الذين ينزلون الى الشوارع لاكتظاظ الأرصفة الضيقة بالباعة وبذلك نجد ان الفوضى والخطورة الشيء الملحوظ فيه، فعليه إنشاء أسواق ومخازن حديثة ستكون في صالح الاقتصاد العراقي مستقبلاً فمن غير المقبول الإبقاء على هذا الحال من الفوضى في سوق الشورجة وفي غيره من الأسواق في مدينة بغداد والمحافظات العراقية الاخرى وما جرى لسوق الشورجة من الممكن تكراره في بقية الأسواق، فمن غير المعقول خزن الكحول والمواد سريعة الاحتراق الى جانب الملابس والأحذية والأجهزة الكهربائية وتكدس البضائع في مساحات ضيقة من دون تهوية ووسائل السلامة.. والجانب الآخر عدم وجود ممرات لحالات الطوارئ وهذا ما جرى لسوق الشورجة، اذ لم تستطع فرق المطافئ والدفاع المدني من ايصال مركباتها الى مركز الحريق الا عبر مناورة طويلة وتمدد خراطيم المياه لمسافات طويلة والاستعانة بالجرافات للوصول الى مركز الحريق في عملية معاناة وضياع للوقت نجم عنه مزيداً من الخسائر لتأخر عملية إخماد النيران بسبب كم كبير من المعرقلات الى جانب ضيق الممرات وإقفالها بالبسطيات والأكشاك، إذ يتوجب إيجاد أسواق شعبية تضمن النظام والإدارة والكسب للباعة الجوالين وأصحاب البسطيات وباعة الأرصفة يراعى فيها الموقع الجغرافي ويسر الحصول على موقع العمل كون مستخدميها من الفقراء والكسبة وبهذا، نكون قد خففنا الاشتباك الحاصل في أسواقنا لصالح البائع والمشتري والاقتصاد العراقي.فالتحسب يجب ان يترافق مع العمل وفق صيغة الاعتبار (ديدن العقلاء) بعيداً عن التخبط والعشوائية وحسبنا منها ما جرى.
فوضى الأسواق إلى متى؟
نشر في: 19 أكتوبر, 2009: 05:24 م