علي عبيدلم تحقق المجتمعات المتطورة ما هي عليه الآن من مستوى مدني عال، لولا اعتمادها أساليب مدنية عديدة متحضرة، من بينها وربما أهمها إشاعة العمل الطوعي كقيمة متحضرة، تدعم البناء الصحيح للدول، وتسرّع في تطوير المنهج السلوكي والفكري للمجتمع ككل، من أجل تحقيق قفزات كبيرة للانتقال من حالات الجهل والتخلف واللامبالاة والاتكالية،
إلى العمل المثابر وتحفيز روح الإبداع لدى المجتمع عموما،وهذا يدل على تطوير الوعي الشعبي عموما ليكون بمستوى البناء الحضري السليم، ولو أننا حاولنا استكشاف مدى الوعي الشعبي، والاهتمام الرسمي بمفهوم الخدمة المدنية في العراق، لتوصلنا فورا إلى نتائج مخيبة للآمال، وهذه النتائج ليست وليدة التصوّر أو الخيال، بل هي مستقاة من قلب الواقع العراقي، لدرجة أننا يمكن أن نقول بصراحة تامة، إن المجتمع العراقي يفتقد حاليا التقدير الصحيح لأهمية العمل الطوعي وربما يجهل تماما مزاياه الكبيرة في البناء المدني للمجتمع.وهذا أمر بالغ الوضوح تؤكده الوقائع العملية القائمة، ليس على المستوى الشعبي فحسب، إنما هناك تراجع رسمي في هذا الصدد، ناهيك عن التراجع السافر لدور المنظمات المعنية ومعظمها ينتسب إلى منظمات المجتمع المدني (حيث هناك منظمات وهمية) كما هو معروف للجميع، ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل تقوم منظمات المجتمع المدني المعنية بتطوير مفهوم الخدمة المدنية بدورها ؟ ويتبعه سؤال ثان، هو هل تقوم الجهات الرسمية بدورها المطلوب في هذا المجال؟.إن الإجابة المأخوذة عن الواقع ستؤكد بصورة قاطعة على أن منظمات المجتمع المدني المعنية وغيرها من الجهات الأهلية لا تزال تدور في فلك المصالح والفوائد الفردية والشللية، وهي لاتزال تجلس في أبراجها العاجية بمعزل عن الشعب وكأنها تمارس دور القيادة (الملكية) الفخرية لا غيرإذ يغيب الجهد الفعلي المطلوب للعمل الطوعي الذي عليه أن ينزل إلى الشارع ويساعد الناس على هضم وقبول واعتياد الخدمة المدنية الطوعية في حملات البناء والتنظيف وسواها، ويجعلهم يؤمنون بأن العمل الجماعي الطوعي هو الذي نقل المجتمعات المتطورة الآن، من حالات التخلف والتردي والضمور إلى درجات عليا من الرقي والتمدّن، ولا نعرف بالضبط لماذا لا تؤدي هذه المنظمات ما يقع على عاتقها من مسؤوليات كبيرة في قضية نشر ثقافة العمل الطوعي بين الناس؟ مع أنها مدعومة بعوامل القدرة على نشر هذه الثقافة العملية ماديا ومعنويا أيضا، سواءً من الدولة أو سواها، أما الحديث عن الجهد الرسمي في مجال نشر مفهوم الخدمة المدنية كسلوك وفكر يسهم بتطوير المجتمع، فإن الوقائع الملموسة تشير إلى إهمال كلي لهذا الجانب، ولعل الحكومة ومؤسساتها تجهل قدرة العمل الطوعي على تعزيز الروح الوطنية لدى الأفراد، كما أنها قد تجهل الطاقات التي يتمتع بها المواطن حين تتعزز فيه روح المواطنة، عن الآخر الذي لا يعرف ما هي المواطنة ولم يجرّب الشعور بها.بالنتيجة حين تعمل الحكومة ومؤسساتها المعنية على بناء المواطن المؤمن بالعمل الطوعي، فإنها كمن يساعد نفسه على تحقيق الأهداف المطلوبة منه، وهذا عمل يصب بالنتيجة في صالح الحكومة أيضا، لذا فإن التقصير الحكومي في هذا المجال ينعكس على الأداء الحكومي نفسه، وينعكس على طبيعة حياة المجتمع ومدى اقترابه من روح العصر أو العكس، هنا لابد من التأكيد على أن دور الحكومة في مجال نشر وتطوير الخدمة المدنية بين أفراد وشرائح المجتمع ينبغي أن يسبق غيره ويتقدم الأدوار الأخرى لأن المؤسسات الحكومية تتمتع بقدرات عملية مادية تنظيمية قد تفتقد لها الجهات الأقل منها في الترتيب والمسؤولية، لذا مطلوب أن يتعاضد الجميع على نشر وترسيخ مفهوم وثقافة وسلوك الخدمة المدنية بين الجميع. ويمكن وضع آليات وخطوات عمل إجرائية من لدن لجان متخصصة تطبَّق على الواقع فتنجح بنقل المجتمع العراقي إلى حاضنة التمدن مثل المجتمعات التي سبقته إلى ذلك.
مزايا العمل الطوعي
نشر في: 29 أغسطس, 2012: 06:55 م