أحمد عبد الحسينيكتب غالب الشاهبندر سلسلة مقالات بعنوان "خسرت حياتي" لم انتبه لها إلا أمس بفضل صديق مشترك بيني والشاهبندر، قرأت كثيراً منها فوجدت فيها ـ إضافة إلى صدق صاحبها ـ تلك الحيرة التي يستشعرها كلّ فرد حرّ بإزاء جيوش من الجهلة الذين يجدون قوتهم في كونهم حشداً.
يستذكر الشاهبندر رفاق أمسه متأسياً على حاضرهم، رفاقه في الحركات الإسلامية الذين تلاقفوها اليوم تلاقف الكرة، وحلفوا بما حلف به أبو سفيان من قبلُ أنْ لا جنة ولانار، فإن كانوا لم يقولوها بألسنتهم فقد قالها لسان حالهم وتكالبهم على المال والسلطة، وقالتها نيابة عنهم قسوة تجاه شعبهم تأنف منها وحوش البراري.وصموا الشاهبندر بالعلمانيّ، كانوا يريدون شتمه، فعقد في إحدى حلقات مسلسله مقارنة بين الإسلاميّ المتسلط الآن والعلمانيّ المقذوف به خارج أسوار الجنة الأرضية التي ينعم فيها التقاة بالمال السحت.قراءة الشاهبندر تفضي إلى أن لفظ الإسلاميّ اليوم، على أيدي إسلاميينا وبعون منهم، أصبح مرادفاً للسرقة واللصوصية وإتيان الصغائر من كل نوع وصنف وصولاً إلى القتل إذا زوحموا على عروشهم أو فضح أحد سرقاتهم وفسادهم.اكتفى إسلاميونا برفع اسم عليّ على كل ما يجترحونه من صغائر، كأنّ رفع الاسم كاف وحده لجعل نزواتهم مقدسة في أعين تابعيهم، مع أن أفعالهم، ذلك المكر الشيطانيّ والإغراق في التنعم على حساب تعذيب الناس والهزء بالعقائد من خلال استخدامها مطية للضحك على جمهورهم المستعدّ أصلاً ليُضحك عليه، كلّ ذلك يجعلهم أقرب إلى معاوية لا إلى عليّ. يستعرض الشاهبندر حياته ويرى ـ بدلالة العنوان ـ أن ما جناه منها خسران، لكنّي أنا القارئ شعرت- بعمق- بأنه لم يفعل سوى أن يشير للساسة المتأسلمين على مواضع خساراتهم الفادحة.يكفي أن كل واحد منهم تحوّل من "داعية" مثلاً إلى "حرامي"، ومن "معارض" إلى "طاغية" ومن "مفكر إسلاميّ" إلى "كيس مملوء بمال مسروق" ، ومن "مثقف" إلى "مزوّر شهادة" ومن "حالم بالغد" إلى "قامع لحريات الناس". أبادوا ماضيهم ليقضوا السنوات القليلة المتبقية لهم في بحبوحة عيش يعرفون هم قبل غيرهم إنها مغمسة بدم ضحايا كثر وقهر ملايين.الفساد ليس اسم العلمانيّ الشاهبندر، بالعكس إنه الاسم الآخر للإسلامي الحاكم، قاسي القلب، غير نقيّ السريرة، المتشيطن ويهذر باسم الله، الواضع على جبهته لطخة سوداء بدل قطرة الحياء التي سقطت منها، والباكي على عليّ وأبنائه فيما روحه ضاجة بأبي سفيان وأبنائه.الشاهبندر العلماني لم يخسر حياته، ما دام قد آثر أن يكون بعيداً عن هذه المائدة المسمومة.
قرطاس: ربح حياته
نشر في: 29 أغسطس, 2012: 08:41 م