TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم آخر: العراقيون و"الحرب المقبلة"

عالم آخر: العراقيون و"الحرب المقبلة"

نشر في: 29 أغسطس, 2012: 09:38 م

 سرمد الطائيلا ينقص اهل الشرق الاوسط سوى المزيد من الحروب. الشعوب الاكثر تأخرا في العالم لا ينقصها سوى المزيد من التأخر والتخلف والموت. هذا ما اسمعه اليوم على ألسنة ساسة من مختلف المشارب، يرددونه بحماس احيانا، وبنوع من التهويل المقصود احيانا اخرى. سألني احدهم قبل ايام:
 هل تتوقع نشوب حرب اقليمية كبيرة اذا اسقط الاسد؟ اجبت بأن التوقعات لم تعد تتسق مع المعطيات الظاهرة منذ انطلاق الربيع العربي. فجأة بدأت تحصل الاشياء او لا تحصل. من توقع سقوط مبارك ورحيل صالح ومقتل القذافي، كي يجرؤ اليوم على توقع نشوب او عدم نشوب حرب جديدة طاحنة؟اخر حروب اسرائيل مع مصر شهدتها السبعينات. في الثمانينات بدأنا حربنا واعقبناها بأخرى في التسعينات ثم سقطنا بثالثة في "الالفينات" مع مطلع الالفية الجديدة وعلى ايقاع حرب اختار توقيتها بن لادن. هل يتذكر احد بن لادن هذه الايام؟العقد الثاني من الالفية بدأ قبل عامين، وصانعو القرار يريدون ان يختاروا له "حربا لائقة" كما يبدو. وهل يمكن ان يمر عقد زمني دون حرب؟ وهل هناك حرب ابشع مما يجري في سوريا  واصداؤه تعبر اسوار طرابلس وبوابات صور ومرتفعات فيشخابور؟ولعل الحرب في حد ذاتها مما لا بد منه بعد عجز الجميع عن تصميم صيغة لادارة المصالح والتحكم بدرجات الخلاف، لكن الحرب لن تكون شاملة بالتأكيد. ستفعل الرياض وطهران المستحيل لتجنيب نفسيهما خوض حرب وجها لوجه، وكل منهما سيبحث عن جهة تنوب عنه في سوح الوغى. لا احد يستطيع دفع ثمن حرب شاملة تشل صناعة البترول في الشرق الاوسط، وصانعو الموت يبحثون عن "جيوب" تكون ميدانا لتصفية الحسابات. الجنرالات هذه الايام لا يركبون جيادهم ولا يستلون سيوفهم بل يديرون الوقائع عبر الريموت كونترول. الاذكياء يحذرون من نشوب حرب ويخططون لاستغلال اي ظرف متوتر لتأمين مكاسبهم، اما المساكين الذين لم تنضج خبراتهم فلن يمانعوا ان يكونوا كما كانوا دوما، وقودا لكل نزاع طاحن. الاذكياء يعيشون بسلامهم وتنميتهم المستدامة وسياستهم الخارجية المحاطة بألف مستشار خبيث وداهية، اما المساكين فيخرجون بتصريحات غبية ويرسمون مؤامرات تخلط الوهم بالحقيقة، ويتخذون مواقف مرتجلة وغير محسوبة. يوترون العلاقة بهذا ويشنجونها مع ذاك ويقرؤون الكثير من اخبار "الملاحم والفتن" ثم يتحولون الى اول دفعة من وقود النزاعات.هل سنكون نحن العراقيين الطرف الذي اتخم بالحرب وسيعمل على تجنبها ولو بعض النواجذ؟ ام سيقال اننا الخاصرة اللينة التي خربت مسبقا ولا خوف على زجها في حرب جديدة، لان الشرق الاوسط اعتاد خلال اخر نصف قرن على ان يدرجنا ضمن خسائره؟ اي ان العالم لم يتعود على ان يرانا في حال طبيعي ولا يمانع من زجنا في مواجهة؟لا سياستنا الخارجية التي يديرها مكتب السلطان "مدبر امور الجمهور" تشجعنا على ان نطمئن "لحكمة القيادة" ولا طريقة نوابنا في الحديث لوسائل الاعلام تبشر بخير.لقد خاض الغرب حربه الكبرى وخسر ٥٠ مليون انسان قبل ٦٧ عاما ثم استراح وانشغل بصناعة بلاك بيري واي باد. اما نحن فنموت منذ ايام شلمنصر وتوت عنخ امون وكل حروبنا "عالمية" لكن دون ان نصل الى نتيجة. وهل تليق بنا حرب غير عالمية؟ بماذا سننشغل اذا لم تكن هناك حرب؟طريقة السادة المسؤولين في معالجة سيناريوهات انزلاق المنطقة وكمية النظريات التي يدلون بها لفضائياتنا وايضا كمية المؤامرات التي اكتشفها مسؤولونا مؤخرا وتحدثوا عنها، كفيلة بأن تزجنا في الف حرب عبثية اخرى كتلك التي تورط بها صدام حسين وسرعان ما ندم.طريقة السلطان في رسم خارطة "المعسكر المعادي" ايضا، واستسهاله اعلان العداوة على وجه السرعة ومع اي طرف كان، كفيلة بأن تجعلنا دوما برسم الخراب. لذلك فان ساسة العراق اكثر من يستسهل الحديث عن الحرب.الهذيان الذي يملأ اذاعاتنا وتلفزيوناتنا اليوم لا يعني بالضرورة ان حربا واسعة ستنشب. بل يعني اننا من الممكن ان نكون الطرف الاقل حكمة وحصافة، في اي حرب قد تنشب او عند توسيع الحرب التي نشبت فعلا. اننا الطرف الذي عجز عن البناء وتعزيز اسباب السلام والحوار وبناء الثقة داخليا وخارجيا، وحين يريد طرف تقديم كبش فداء فلن يجد ساسة اكثر "حصافة" من جماعتنا لتوريطهم في الحرب او في هوامشها الساخنة والمكلفة. والامر بحاجة الى عناية خالصة من الارض او السماء كي نتجنب خسارات اضافية في واحدة من اعقد مراحل لعبة الموت المستمرة في العالم القديم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram