أحمد عبد الحسين خطاب الرئيس المصري محمد مرسي في قمة عدم الانحياز بطهران هو ـ باعتقادي ـ أبرز أحداث القمة حتى الآن، فمن الواضح أن إيران أرادت للقمة أن تكون للدول المنحازة إليها وإلى سياستها، لكن مرسي كان واضحاً وجريئاً، خصوصاً في موقفه الحاد من نظام آل الأسد.
لكنّ هذا الخطاب لم يصل الإيرانيين الذين كانوا يتابعون القمة في بيوتهم، إذ عمدت السلطات الإيرانية إلى تحريف الخطاب وتشويهه من خلال ترجمة فورية قلبت كلام مرسي عاليه سافله، قال مرسي مصطلح "الربيع العربي" فصار بالفارسية "الصحوة الإسلامية"، وحين عدد مرسي بلدان الربيع العربيّ أضاف المترجم من عنده اسم البحرين الذي لم يذكره مرسي، وحذف اسم سوريا التي كان أغلب خطاب الرئيس المصريّ عنها.الأنكى من ذلك أن مرسي ابتدأ بالبسملة والصلاة على الرسول وآله وأصحابه الذين عدد منهم الخلفاء الراشيدن الأربعة، لكن المترجم الفارسي حذف أسماءهم تلافياً لإحراج قادة طائفيين.لم ينقل المترجم قول مرسي إن نظام الأسد ظالم ويجب أن يزول بل ظهرت عباراته عن سوريا كالتالي: "علينا جميعاً أن ندعم النظام الحاكم في سوريا، وينبغي أن تستأنف الإصلاحات ومنع أي تدخل أجنبي. هذا هو موقفنا".!إعلاميون إيرانيون وصفوا ما قامت به حكومتهم من تحريف للخطاب بالأمر السخيف، آخرون قالوا إنه مهزلة.لا أظن أن المترجم الفوريّ ومَن وراءه كان يدور في خلده أن الأمر لن ينكشف، لكن النظم الحديدية تلجأ إلى حلول سريعة لتلافي خطر آنيّ بأساليب مضحكة أحياناً دون تفكير بالنتائج، المهمّ لديها هو تجاوز لحظة الإحراج هذه وليكن بعدها ما يكون.ذكرني التحريف الإيرانيّ بحادثة أخرى أشدّ إضحاكاً: لعب منتخب كوريا الشمالية في كأس العالم مباراته مع البرازيل، في الشوط الثاني كانت النتيجة تقدم البرازيل بهدفين للاشيء، فجأة انقطع البثّ لـ"خلل فني"، وبعد نصف ساعة أطلّ المذيع الكوري ليزف البشرى للكوريين أن المباراة انتهت بفوز منتخب كوريا بثلاثة أهداف لهدفين. وخرج الناس للاحتفال. كان منتخب كوريا في الطائرة التي أعادته إلى بلاده بعد الهزيمة بينما الجماهير تحتفل بانتصار لم يحدث!ليس أشدّ ابتذالاً من أكاذيب الساسة سوى إعلام يرتضي أن يصبح ممسحة لقذارة نظام عاش على الكذب، أن يغدو لساناً يستعيره النظام حين يريد أن يكذب كذبة صلعاء يضحك الناس عليها وعلى من أطلقها.في حديث لي مع نائب رئيس تحرير جريدة ممولة من الحكومة قال لي بالحرف الواحد "نعرف أن الحكومة عوراء لكننا مأمورون بأن نتغزل بعينها السليمة". ومع أن الحكومة عمياء لا عوراء لكن كثيرين يريدون منا أن نكون كالمترجم الفارسي، كالمذيع الكوريّ، أن نكتب للناس عن منجزات حكومية كبرى يقرأونها وهم يتلوون من الحرّ أو محبوسون في ازدحام سير أو مرضى في مستشفى مريض هو الآخر، أو يفكرون بالانتحار، يقرأون منجزاتنا ويضحكون.
قرطاس :تحريف
نشر في: 31 أغسطس, 2012: 07:34 م