شيرزاد عادل اليزيدي لطالما شكّل العداء للقضية الكردية قاسما مشتركا بين النخب الحاكمة في البلدان المقتسمة لكردستان رغم كل اختلافاتها وتنابذاتها الحادة لكنها دوما ما كانت تلتقي في نقطة واحدة وهي العمل على طمس أبسط معالم وجود الشعب الكردي وتجريمه وأبلسته ودوما عبر اللعب على الوتر القومي
لدى شعوب هذه البلدان التي للأسف وبفعل التراكم والضخ المتواصلين للنظريات والتطبيقات العنصرية الفاشية حيال كردستان وشعبها من لدن تلك القوى المتسلطة في واقع الأمر حتى على تلك الشعوب تشربت هي الأخرى إلى حد ما مع الأسف تلك المفاهيم والرؤى العنصرية المريضة إزاء قضية عادلة كالقضية الكردية .والآن وفي سياق ربيع شعوب المنطقة وسقوط نظريات التفوق والاستعلاء والاستبداد سلطوية وقومية ... وتآكل النظم الاستبدادية ووصولها إلى أفق مسدود تماما ورغم الانقسام الحاد العاصف بين الدول المقتسمة لكردستان على خلفية تصارعها خصوصا في سوريا وعليها ،فتركيا من طرف وإيران من طرف آخر إلى جانب القوى السياسية العراقية الشيعية والسنية التي انحازت تبعا للاصطفاف الطائفي إلى كل من أنقرة وطهران ما بات يشي بتوسع احتمالات نشوب صراع مذهبي طاحن على وقع الأزمة السورية على امتداد المنطقة نتيجة تعقد الوضع السوري أكثر فأكثر وتفاقمه صوب حرب طائفية سنية - علوية . فرغم كل ذلك وربما في محاولة للتغطية على هذا الواقع تشرع بعض الجهات والأوساط السياسية والإعلامية العربية في العراق وخارجه إلى النفخ مجددا في البعبع الكردي في محاولة لإعادة إنتاج واجترار المقاربات العنصرية الساقطة في التعاطي مع القضية الكردية في الدول الأربعة المقتسمة لكردستان في زمن التغييرات الكبرى وربيع الشعوب وسقوط وإفلاس نظم الحكم الاستبدادية على اختلافها في غير بلد من تونس إلى سوريا والحبل على الجرار الاستبدادي من المحيط إلى الخليج .فهذه الأوساط العروبية الإسلاموية المدمنة على العداء المرضي لكل ما هو كردي ما زالت تحاول تسويق بضاعتها الكاسدة إياها في تأليب شعوب الدول المقتسمة لكردستان وعموم شعوب منطقتنا على الكرد وتصويرهم كعدو وجودي وخطر داهم وغير ذلك من أبجديات الترسانة التخوينية التي لطالما شكلت توطئة للإيغال في دم الشعب الكردي بذريعة الذود عن حياض الأمة والوحدات الوطنية ،لا سيما أن التكاذب الوطني والأخوي المديد المخيم في هذه الدول المأزومة قد سقط أخيرا شر سقطة وها هي بلدان المنطقة بعمومها تتكشف عن دول فاشلة وجماعات متناحرة متنابذة لا يربطها رابط وطني ما يستدعي لمعالجته وترميمه القطع مع ذاك التكاذب والشروع في تأسيس تعاقدات وطنية اجتماعية جديدة قوامها التوافق والإقرار بالتعدد والتنوع في إطار دول ديموقراطية مدنية .ولعل ما يفسر تصاعد حدة هذه الحملة الموتورة على الكرد مؤخرا في تلك الأوساط السياسية والإعلامية العربية هو إدراكها لحقيقة كون الكرد هم في طليعة الحراك الانتفاضي على الاستبداد الذي يسود المنطقة وأنهم كأكثر المتضررين من نظم الحكم الاستبدادية أن في سوريا أو إيران أو تركيا أو العراق السابق مستفيدون مرتين من موجة التغيير العاصفة بتلك الدول مرة كسائر مواطني تلك الدول المتضررين من انعدام الحرية ومصادرة السياسة وتأميم إرادة الناس ومرة أخرى كشعب له قضية قومية عادلة ما عاد ممكنا المضي في اعتماد نفس الحلول الاستئصالية الإنكارية لمعالجتها وأنه لا بد من حلها ديموقراطيا وحضاريا بل أن القضية الكردية تشكل محكا لمدى بنيوية وجذرية أي تحول ديموقراطي في هذه البلدان كما في سوريا مثلا ،إذ يبرز الآن الدور الكردي الفاعل لا المنفعل في معادلات الثورة والتغيير في سوريا وحيث نأى الكرد بأنفسهم وبمناطقهم من التورط في فخاخ العسكرة والحرب الطائفية ، فمناطق غرب كردستان ( كردستان سوريا ) تميزت بثورتها السلمية وبالتأكيد بطابعها التحرري الديمقراطي المدني بل والشروع في التأسيس للبنية التحتية لإدارة ذاتية ديموقراطية موسعة في المناطق الكردية من سوريا من الآن ما انعكس إيجابا على التعايش والتوافق بين مختلف مكونات كردستان سوريا من كرد وعرب وآشوريين ومسلمين ومسيحيين وأيزيديين ... ما يسهم في تقديم نموذج لسوريا كلها التي تغرق الآن في بحور الدم والدمع إلى حد مشابه للنموذج المتقدم الذي طرحه كرد العراق لعموم بلاد الرافدين لا سيما إبان اشتداد الاحتراب المذهبي بعيد سقوط نظام صدام ما يفسر خلفيات ودوافع مثل تلك الحملات على الكرد ودورهم في سوريا والمنطقة ككل لدرجة أن حملات التحريض ضد الشعب الكردي أخذت تستعر حتى في العراق البلد الذي كان سباقا في إطلاق موجة التحولات الديموقراطية في المنطقة أو ما يعرف بـ "الربيع العربي" وفي اعتماد الحل الديموقراطي العادل للقضية الكردية وفق حق الشعب الكردي في تقرير مصيره .ورغم الدور الإيجابي الذي يلعبه كرد العراق في ترسيخ تجربة العراق الجديد ما بعد البعث وكونهم عامل سلام وتوافق في مختلف محطات عملية التحول الديموقراطي العراقية الصعبة وما تخللها ويتخللها من أزمات خانقة وآخرها الأزمة الحالية حيث ليس سرا أن رئيس جمهورية العراق جلال طالباني ( الذي يشغل موقعه كرئيس
عن حملات التحريض العروبية الجديدة - القديمة على الكرد
نشر في: 31 أغسطس, 2012: 07:38 م