TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تلويحة المدى: دفاعاً عن "اللاملتزم"

تلويحة المدى: دفاعاً عن "اللاملتزم"

نشر في: 31 أغسطس, 2012: 07:47 م

rn شاكر لعيبي rnأمام هذا العنوان، سوف يتذكر شخص من جيلي كتاب كولن ولسون"اللامنتمي" الذي كتبه في الرابعة والعشرين من عمره عام 1956، وتُرجم في زمن لم يكن "الانتماء" يثير الريبة عند مثقفي الشرق والغرب، مع أن الكتاب لا علاقة له بذلك، فهو يتحدث بروح وجوديّ عن نكهة الاستلاب الذي يسِمُ أعمالَ مجموعة كبيرة من كبار الكُّتاب والروائيين والرسّامين. استطراداً: لا نعرف مدى دقة توصيف موسوعة وكيبيديا العربية القائل إن ولسون: "يُصنّف في الغرب باعتبارهrn
rn كاتباً دجالاً". أمر يحتاج الى تدقيق وإعادة فحص لما يكتبه محررّوها العرب. إن العنوان الإنكليزي للعمل The Outsider (وبالفرنسية l'Homme en dehors يعني تقريباً الكائن الواقف في الخارج، خارجاً)، قد تُرجم باللامنتمي، ولهذا السبب رُبط لا شعورياً عند القرّاء، ولعلي منهم، بالسياسة خاصةً، انسجاماً مع هاجس اللحظة. وهو خطأ فاحش. فقد كان هناك في الفترة التي تُرجم فيها الكتاب تيّار عريض "يقف خارجاً"، بشجاعة ونبل حقيقيين: جمهرة من الستينيين وكثير ممن تلاهم في السبعينيات.rnشريحة لا يمكن التغافل عنها من "المثقفين" العرب اليوم، تبدو مطمئنة إلى السياقات الثقافية والعقلية والروحية السائدة. ولا تعلن كتاباتها مشاكل وجودية أو استلابية أو نفسية، وليس فيها الكثير من إشكاليات اللامنتمي المؤرّقة مثلما لدى المبدعين الذين يعالجهم كولن ولسون. أنها تمشي على نهج شبه واثق حسبما يشفّ من كتاباتها الروائية أو مقالاتها الصحفية أو قصائد نثرها. وهي تبدو ملتزمة، بطريقة غامضة لكن أكيدة، بأفكارها الدينية أو القومية أو اليسارية، بل ماضية دون مساءلة بالخط الثقافيّ والأخلاقيّ لوسائل الإعلام والصحافة التي تشتغل بها، أو على الأقل متأثرة بالكثير مما تبثه وتنشره هذه الوسائل من معطيات ومصطلحات وصور فوتوغرافية. العديد من المثقفين البارعين، بل "الكبار"، في الصحافة المعروفة الممّولة عربياً، لا يخرج عن الحدود المرسومة، ويتحاشى  بالتالي الاصطدام بفكر وسياسة مموّليه. وهما، هذا الفكر وتلك السياسة، قابلان للنقد والتحليل أيضاً وفق المفاهيم التي يتبناها أولئك المثقفون أنفسهم، وليس حسب ما نحبّ نحن. هنا مثال لالتزامٍ من نوع جديد تحت غطاء اللا التزام. في الأحداث الكبرى مثل الحدث العراقي بالأمس، والسوري اليوم، لا يقول البعض شيئاً واضحاً عن تداخل المعطيات، ويظل دائماً، وببراعة، في نطاق الخط المُعمَّم بقوة السياسة والميديا الحديثة، ليتوطن التزامه مداوَرة في وعينا عنه، شاخصاً من دون ظلال ولا لُوَيْنات، خلافاً للظلال واللوينات المقالة عندما يتعلق الأمر بنص أدبيّ أو ترجمة شعرية أو ظاهرة كتابية أجنبية يقوم بتناولها.rnأما المثقفون غير الملتزمين بأيديولوجية دينية أو وعْي قَبَليّ أو فهم قومانيّ أو إيديولوجية يسارية متصلّبة، أو صحافة مقتدِرة مالياً، فإنهم أكثر تقليباً للأمور وانغماراً بالمشكل: من باب الحيرة وليس اليقين، السؤال وليس الأجوبة، الحقيقة النسبية التي تقبل وجهة نظر الآخر وليس إنكاره وتشويهه، المحبة وليس البغض، بل يبدون أكثر قرباً إلى مقترحات الأخلاق الدينية السامية من دجل بعض الإسلام السياسيّ، وهم أعظم دفاعاً عن الجميل في ثقافة الأمة من تشنج القومانيين، وفي منطقهم شيء جوهريّ من الديالكتيك أهمّ من ميكانيكية بعض اليساريين، ويبدون دوماً في سياق انسيابيةٍ ورجوحيةٍ تسمح بها المدينة المفتوحة أكثر من جفاء وانغلاق البداوة المنغلقة. ومن ثم يوجد فيهم الكثير من روح الدعابة مقابل تجهُّم "الملتزمين" الأقحاح، الطالعين علينا بقناع الليبراليين.rnهل يشكل ما نصِفُه، إذا كان عادلاً، ظاهرة جديدة تتعلق بـ (لا ملتزمٍ) من نمط مناهِض لما قد تشِيْ به كلمة (الملتزم ونقيضه اللاملتزم) من دلالة حادّة ونهائية؟، بل من طبيعة تتجاوز قليلاً فكرة "الأيديولوجيا" و"الأيديولوجي" المذمومة منذ البدء بطبعتها المحلية؟rnrn

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram