مازن المعموريفي كل مرة أتابع النقود التي تنشر هنا وهناك حول الفن التشكيلي أجدني أمام حيرة حقيقية تجعلني أتساءل هل النقاد عميان أم متواطئون في خراب خطر ؟ وكي أكون أكثر صراحة فإن ما جاء في مجلة " آفاق أدبية " العددان الثالث والرابع / 2011/ السنة الأولى , يثير الدهشة حقا , فقد نشرت المجلة ملفا عن الفنانة " وجدان الماجد " حملت بين طيات صفحاته صورا لأعمالها , وهي أعمال منقولة ( كوبي بست ) بطريقة بائسة جدا ,
rn والمشكلة ليست في الفنانة بالتأكيد ولكن العجيب فعلا أن الأسماء النقدية التي تحدثت عن إنجازها تؤكد أنهم عميان بالمرة , فالأستاذ الدكتور محمد الكناني يقول عن تجربتها ( تنتمي تجربة الفنانة وجدان الماجد إلى نسق التجارب الحداثية التي ترتهن إلى الخلاصات الشكلية ومديات التعبير الوجداني . لذلك نجدها لا تماثل أو تحاكي البصري على مستوى الفعل الآلي للتلقي , بل تحاول الإمساك بما هو لا مرئي يتعين وحضور المرئي ) ولا أدري إن كان هذا الكلام موجها إلى بيكاسو أم إلى رسومات بسيطة واقعية طالما شاهدناها في محال ( الكرادة داخل ) لأجل البيع السريع أو ما يسمى بالأعمال السياحية التي لا تحتاج إلى عمق فكري لأنها ببساطة لا تتجاوز شكلها الواقعي سواء تلك التي تخص أطفالا يلعبون لعبة ( الدعابل ) العراقية أو امرأة عجوز رسمت ألف مرة في الكرادة ،وهي في الأصل أحد أعمال الفنان الواقعي الكبير حسن هادي وقد نقلت بطريقة رديئة جدا أو لوحة فائق حسن منقولة كوبي بست بطريقة رديئة أيضا ،وهكذا يستمر معرض أعمالها العجيب , والسؤال هو ألم ير الأستاذ محمد الكناني مثل هذه الأعمال التجارية في بغداد سابقا , وما هو اللامرئي فيها ؟rnإن الغريب فعلا ما جاء في تقرير الناقد الكبير عادل كامل وهو سيد النقد التشكيلي في العراق ومازال أستاذا ومبدعا كبيرا نحترمه ونجله , حيث يقول ( إنها تعمل كما عمل رسام الكهف , وكما عمل الفنان في أي مكان في عملنا , عملت بما تجعل النص وليد علاقة دينامية مع لغزها المشهد في واقعيته وفي تحوله إلى " صور – علامات " ) .والى جانب المقال صورة لوحة لفنان إيراني طبعت أعماله على شكل معايدات سياحية , ولوحة أخرى لصورة امرأة بمنديل برتقالي طالما عرضته محال الكرادة في التسعينات لجلب انتباه الأجانب ومسؤولي الأمم المتحدة في تلك الفترة المظلمة .rnكما أنني أستطيع القول إن الأستاذ الدكتور سلام جبار والأستاذ ماهر السامرائي لم يكونا أفضل من الآخرين في التعبير عن آراء شبحية جاهزة بحيث يمكن استبدال أي اسم آخر بدل الفنانة وجدان الماجد مع احترامي الكبير لمنجزها الذي يبدو ما زال في بداية الطريق , أما الدكتورة أنغام سعدون فتعبر عن إعجابها قائلة ( فالإشكال يا وجدان أنك قفزت إلى منطقة الوجدان في عالمك الواقعي والافتراضي , وألقيت أمامنا كل طروحاتك وظل الإشكال أنك وجدان يفكر ويتأمل ) ولا أدري ماذا تعني على وجه التحديد هل هو مدح أم قدح؟ أم أن اللغة لم تعد قادرة على التعبير , ولكن المؤكد أن النقد التشكيلي العراقي لم يعد ذلك الجهاز الثقافي الخطير الذي يمكن أن نعول عليه لدرجة أننا فقدنا الخطوط الحمر التي تفرق بين الجد واللعب وبين المجاملة والتقويم .rnفي واقع الأمر , إن اللغة التي درج عليها النقاد تغترب كثيرا عن الحافز الإبداعي الذي حفز نمط القراءة , وبالتالي فان أي منها لم يكن قريبا من أفق العمل أو المرجع الذي أنتج اللغة النقدية الضخمة التي تتبنى طروحات فلسفية عالية المستوى في حين لا تتجاوز الرسوم المشار إليها صفة العارض والشكل الفوتوغرافي للواقع كما هو دون تغيير , وهذا ليس انتقاصا بالضرورة , ولكن الأعمال المدرجة ليست للفنانة أصلا , وهذا ما يجعل شهادات النقاد في غير محلها , بل أنها عكست انطباعا سلبيا ضد الفنانة ذاتها .rnكنت أتمنى أن أرى في آراء النقاد ما يصبو إلى إلقاء الضوء على تجارب حقيقية في الفن التشكيلي الذي أصبح يعاني جفافاً طويلاً , خاصة وأنهم أمام مسؤولية أكاديمية وثقافية وان كلماتهم يجب أن تكون في مكانها , وإلا ما فائدة الخبرة التي تراكمت عبر سنوات الدراسة والممارسة الإبداعية منذ عقود , فإذا كان الأساتذة المشار إليهم يمارسون دور المشجع أفلا يوجب ذلك اتفاقا لا يتجاوز حدود التلقي العابر في مناسبات خاصة ؟ وبالطبع فأنا لا أدعو لأن يحمل الناقد فأسا لتجريح الآخرين أو إدانتهم دائما ولكنني أقصد المسؤولية الثقافية والأخلاقية التي سرعان ما تصبح مفتاحا لإبداع قادم يشكل علامة منيرة لسمعة النقد العراقي ومسيرة الفن التي توجت المشهد العربي التشكيلي بأسماء كبيرة ما زلنا نشم عطر منجزها حتى الآن .rn
وجهة نظر ..النقد التشكيلي في العراق .. إلى أين ؟
نشر في: 31 أغسطس, 2012: 07:53 م