قبل ايام هدد فريق الحكومة باجراء انتخابات مبكرة اذا ظل البرلمان "يعرقل" احلام رئيس الحكومة. ولا ادري من اين جاءت فكرة التهديد، ولماذا يكون الاقتراع المبكر بين "سيناريوهات الترويع"، خاصة وان الكثير من معارضي سياسة ائتلاف دولة القانون سبق وأن تحدثوا عن هذه الفكرة كواحد من حلول الازمة، وضمن المراسيم الرسمية لتشييع "اتفاق اربيل".
ولماذا التهديد والعملية السياسية اصيبت بالجمود وتوقفت ساعتها وامتنعت حواراتها وظلت تسير على قدم واحدة يملكها رئيس الحكومة، ومقاييس القوى تغيرت ولم يعد البرلمان الحالي ولا شكل الحكومة يعبران عن نوع القوة الموجودة على الارض ولا عن نوع القضايا التي اصبحت في الواجهة. والقناعة التي تشيع بين الطبقة السياسية حاليا هي انه "لا تغيير حتى الانتخابات الجديدة".
و"التهديد" هذا قد يخيف نوابا سيغادرون البرلمان الى الابد، لكنه يدعونا نحن للتفكير بمعنى الانتخابات الجديدة التي ستكون في مناخ عراقي واقليمي جديد الى حد كبير، وستسبقها بروفا مجالس المحافظات حوالي الربيع المقبل. واذا كان موقف الناخب العراقي مستقرا نسبيا على قاعدة التمثيل الطائفي، فإن لعبة الطوائف التي ستفوز كلها، ستختلف اثناء رسم خطوط التماس الانتخابي وتصميم شكل الحكومة.
منذ الانتخابات الماضية تغير العالم من حولنا كثيرا او قليلا، وزادت فلوسنا وأسلحتنا كما تضاعف تخبطنا في السياسة الخارجية. والانتخابات الجديدة مبكرة او متأخرة، ستحمل معاني مختلفة عن سابقاتها وقد تكون الاوضح منذ مطلع 2005 حيث جربنا الانتخاب لاول مرة.
وفي الاقتراع السابق 2010 لم تكن الفدرالية على سبيل المثال، مطلبا بهذا الوضوح الذي نراه اليوم على طاولة اكثر من صالون سياسي جنوبا وغربا. تيار الصدر لم يكن مزهوا بقوته كما هو اليوم، والمجلس الاعلى لم يكن قد تذوق طعم العزلة والانشقاقات كما حصل خلال اخر سنتين، ويمكننا تحري متغيرات مشابهة في باقي الكتل والاحزاب.
وفي الاقتراع السابق لم يكن تسييس الاحكام القضائية واوامر الاعتقال الكيفية قد بلغا هذا المبلغ، كما لم يكن بشار الاسد قد تعرض بعد لكل هذا الانهيار في سوريا، ولم تكن ايران فقيرة كما هي اليوم حيث فقدت 25 في المئة من ثروتها في بحر اسبوع، وجرى امس حذف حتى محطاتها التلفزيونية من قمر هوتبيرد الاوربي، في اجراء متواصل لخنقها.
وفي الانتخابات السابقة لم تكن امريكا قد سحبت عساكرها وتأثيرها على النحو الذي نراه اليوم. وفي الانتخابات الجديدة ستكون امريكا قد تفرغت لنا بشكل اكثر قليلا، لان واشنطن لن تكون مشغولة بانتخابات الرئاسة. وفي الانتخابات السابقة لم تكن بغداد قد عادت قريبة من موسكو كما هي اليوم ولا سريعة في توثيق الاواصر مع الكرملين بما يشبه سرعة "الميغ" التي نحتفظ لها بذاكرة هزائمنا المدوية، كما لم تكن بغداد بعيدة عن انقرة كما هو حالها الساعة.
الانتخابات المقبلة ستأتي ضمن مستوى جديد من ممكنات الاعتراض دشنها اللاعبون في ملف "سحب الثقة"، اذ ظهر رئيس الحكومة نوري المالكي ولاول مرة، مستعرضا أصرح لهجاته في تحدي فكرة الشراكة، ورفض الانصات لاي حليف او منافس، كما وضع واقع التعددية السياسية امام اختبار كبير حين اراد ان يكون السلطان الاوحد ويسكت اصوات الاعتراض.
وحين اجتمعت مختلف الاطراف لمراجعة اداء الحكومة وهددت بسحب الثقة فإن ذلك اثبت لنا ان من المبكر لشخص واحد ان يعلن نفسه سلطانا ويقفز على واقع التعدد والتنوع في البرلمان، وهو تعدد يمثل مدخلا شرعيا لديمقراطية لم تتحقق بعد، ومدخلا لكبح نسبي لجماح التفرد واحتكار القرار.
الاعتراض الواسع الذي حصل في اربيل والنجف سيترك اثره الكبير على اليد التي ستصمم التحالفات والصفقات في اي انتخابات مقبلة. ومن المرجح اننا سنكون امام لهجة مختلفة وحاجات مختلفة، وقد ازدادت خبرة الجميع بالعامل الخارجي وطريقة تأثيره. كما زادت خبرة الجميع بالجميع في الداخل، وتحولت الشكوك الى وقائع، والريبة الى حقائق.
الطامح الى البقاء في السلطة سيحتاج تنازلات اكثر كلفة، لان القواعد تغيرت. ومن يهدف الى تغيير سيراجع اجتماعات اربيل والنجف الاخيرة بوصفها "بروفا" لصناعة مشهد اعتراض اوسع، وسيكون مطالبا بوضع "مدونة اصلاح" اوضح لحماية واقع التعدد السياسي الذي يخدم الجميع.
الانتخابات التي يهدد بها فريق رئيس الحكومة، ستكون الاكثر صعوبة عليه وعلى خصومه، والفائز فيها سيحكم دولة اكبر ويتحكم بمال أوفر، وهذا ليس بسر، لكن السر الذي يشغل الكثيرين ويحتاج وقفة طويلة، هو ان الموارد والقوة في تزايد، لكن الخبرة والحكمة في تناقص، وقليل من الرعونة الاضافية سيدخلنا في موسم مفاجآت آخر كريه وممل ومكلف جدا. هل هذا ما قصده فريق الرئيس حين اختار "التهديد" مدخلا للحديث عن الاقتراع المقبل؟
جميع التعليقات 1
بطران
مقترح الا نتخابات المبكرة ليست جديدة. حركات واحزاب عديدة طرحتها ومستمرةبذلك.. المسطر اعلاه غير واضح وكاتبه لايدري ماذا يريد..اسئلة كثيرة ومن مواضيع عدةوالنتيجة تششت وبعثرة افكار.. المسطر gt اكرر مسطرد gt غير واضح.. الشئ الحيد الواضح هو ان سعرعة الميغ