rn سرمد الطائيrnقبل سنة وقفت مع الأصدقاء أمام مشرحة بغداد منتصف الليل حيث كنت يا هادي المهدي قد دخلت ميتا الى هناك قبل بضع ساعات. لم احضر تشييعك الرمزي ولا الحقيقي لانني كنت مكتوف الايدي امام مشرحة باب المعظم.rn
rnهل تعلم اننا بقينا احياء بعدك سنة كاملة؟ هل تابعت الدراماتيكية المثيرة التي شهدتها سنتك الاولى من الموت؟ ام انك مشغول بما هو اكثر اهمية وتفضل البقاء داخل سديم من صمت الابدية؟rnهل احدثك عن الاموات ام انك تلتقيهم في العادة؟ لقد رحل الكثير من العراقيين بعدك، اكثر من الذين ماتوا في سنوات الامن الهش والاستقرار النسبي. ولم تنفع مليارات النفط الكثيرة في ضبط الامن. اننا بلا وزراء لحقائب الامن حتى اللحظة يا هادي.rnلا جديد لدينا في نهاية المطاف سوى تضخيم للاحداث المعتادة. لقد اقام الاصدقاء استذكارا حلوا لكامل شياع، وهم يستعدون بعد ايام لواحد يخصك. وخلال الشهور الماضية كان اصدقاؤك يلقون تحية الصباح على صفحتك في فيسبوك.rnوفي التفاصيل فإن السلطان اوشك ان يسقط لولا تدخلات الجيران التي تعرفها. اما المطلك فقد اجتثوه مرتين بعد دخوله الوزارة لكنه عاد وعاد وكان سعيدا بالاياب هو ومن اجتثه او اقاله. طارق الهاشمي كان ايضا مجرد مناسبة كي نسمع زئير السلطان ووعيده وقد تحول ملفه الحساس الى مجرد عملية تلصص على الخصوم ومصادرة فيديوهات وجلسات محكمة لا يتابع تفاصيلها احد. الامريكان انسحبوا وظلوا في زاوية غامضة. وسوريا تنزف وتنزف. البحرين والاحساء بلا حسم. مرسي اصبح "زعيما كبيرا" بسبب نجاد، والليبراليون فازوا في ليبيا. بينما عجز برلماننا عن محاسبة اي مسؤول عن تدهورنا المضطرد.rnلم اكتمك احتجاجي على طريقتك في الحياة، وعلى العبارات التي كنت تستخدمها اثناء شتمك لمن نعترض عليهم. كنت اقول لك انك افخم واذكى من ان تستخدم شتيمة. اما انت فكنت تتذرع بالحاجة الى لغة يفهمها الناس، او وخز ضمير مباشر يوقظهم. لي كما للاخرين علي وعليك، مآخذ، لكنك ناطق تفرد بجرأته بين ظهراني شعب مل وضجر ويئس من الاحتجاج والثورة. لعلنا اكثر شعب ثار وتعرض للشنق دون جدوى يا هادي. الم يهمس في اذنك بهذا "هاملت تحت نصب الحرية" في اخر عمل مسرحي قدمته؟rnاخيرا كأننا لم نتحرك قيد انملة ولا نزال امام مشرحتك في باب المعظم. لازلنا نشم رائحة الموت. حتى الامال التي تبزغ امامنا احيانا، تتبخر بسبب طعم الموت اللاذع تحت ألسنتنا. لقد داهمني ذلك وانا افتح الفيسبوك فجر اليوم كي ارى صورة التقطها بعض محبيك لجثتك الملفوفة بالابيض، وبقايا الدم تلطخ الكفن قرب رأسك.rnلازال كثيرون يتهمونك بأنك كنت تقبض المال من الساسة، وانك قتلت لاسباب غير سياسية، يا للمفارقة! انهم يتهموننا نحن الاحياء ايضا بأشياء مماثلة، بيد ان الحياة القصيرة لا تسمح بإنفاق وقت طويل على رد التهم. اخر تهمة واجهتها انا، ان عائض القرني يقوم بدعمي! من هو عائض القرني؟ واي مساندة احتاج انا؟ تهم في سياق المزاح؟rnانني احتفظ بآخر اس ام اس منك، حول فيزا باريس المستحيلة. ومرة كل شهر احدق في صورة جمعتنا على متن زورق عند حاشية المتوسط، انا وانت وحيدر سعيد واحمد عبد الحسين ودليل سياحي من فلسطين، واصدقاء اخرين كانوا يناقشون مآل المظاهرات... واسأل عن مصائرنا جميعا. rnبقيت اردد ما كتبته في مدونتي ليلة الفجيعة، عن كلمة سمعتها منك على متن الزورق: الدنيا مالتنا، كتبت "كان هذا ابرز ما اتذكره من هادي المستلقي كغصة متجمدة في درج من ادراج عنبر الموتى. كلمة هادي على بساطتها، ترسم خارطة المواجهة. القوى القادمة من بيئة بلا انفتاح، تريد ان تصادر الدنيا وتحدد لنا شكل الجمال المتاح. ترسم عروشها وفق مقاسات عزلة رهيبة عن العالم. تريد احتجازنا داخل قمقم كي تعبث بنا كما تشاء. اما الحالمون بالالتحاق بالمدنية، فإنهم يتعرضون للركل والاستخفاف كما حصل حين اعتقلوا هادي وباقي الزملاء يوم 25 شباط وبعده. هادي: لم يسلبك احد جمال الكون.. (الدنيا مالتنا) كما كنت تقول. داخل حفرتك كل صخب المحتجين يبدد عنك الوحشة.. انت في ذروة السحر، شاهد على أعداء الجمال. اما نحن فعلى الاثر.. على الاثر. اثر الاسئلة الجريئة في العقول الخائفة".rnلازلنا نثرثر كثيرا ونبكي بلا سبب واضح احيانا، نقرأ الشعر والاخبار ونسمع والموسيقى ودوي العنف ولا نشتم احدا بالضرورة. نحن لا نملك سوى التسمر مكتوفي الايدي امام مشرحتكم جميعا ونطل على مساكن الموتى السبعة التي شيدتها عشتروت. ونكتشف في النهاية ان العراق كله وبسبب ادمانه الصمت، مقيم في مشرحة يا هادي.rnrn
عالم آخر:مشرحة هادي المهدي
نشر في: 3 سبتمبر, 2012: 06:46 م