TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > سلاما ياعراق : الريحة بعثية

سلاما ياعراق : الريحة بعثية

نشر في: 3 سبتمبر, 2012: 08:58 م

 هاشم العقابيفي العام 1987 فكرنا، أنا وزميل لي في منفانا الاختياري ببريطانيا، أن نبحث عن عمل تدريسي في إحدى الدول العربية. استشرنا أصحاب الخبرة فدلنا أحدهم على الذهاب إلى ليبيا لأنها في ذلك الوقت تكاد تكون الدولة العربية الوحيدة التي تقبل تشغيل المعارضين لصدام. حضرنا أوراقنا وما نستطيعه من وثائق تثبت معارضتنا النظام مثل أوراق منحنا اللجوء السياسي ببريطانيا وقصدنا السفارة الليبية بلندن.
وبعد انتظار طويل نودي علينا فدخلنا على مسؤول هناك وحوله ثلاثة  آخرين لا تمتلك إن رأيتهم غير أن تتعوذ بالله من الشيطان، وأن تقرأ بقلبك كل ما علمتك أمك من أدعية. أول ما خطر ببالي أننا قد أخطأنا العنوان فدخلنا السفارة العراقية بدلا من الليبية. فيا سبحان الله، كل الأشياء هنا تشبه التي هناك: من الكراسي، والطاولات، وطريقة الجلوس، و"التمحلق"، ونبرة الصوت، و"القوط" إلى الصور المعلقة على الحيطان. التفت لصاحبي فلمحت شفتيه تتحركان. تصورته يقرأ دعاء "الدخول على الظالم"، فقلت بداخلي آمين يا رب العالمين. ثم باشرت أنذر النذور على عدد ما أعرفه من أسماء الأئمة والأولياء الصالحين، حتى وصلت بنذري عشاء لوجه السيد "صريوط" وسيد "حمد الله" وسيد "عاكول"، الذي لا يعرفه غيري، لأنه صديق والدي الذي كان يقول عنه إنه مبخوت. ودخيلك يا سيد "عاكول". وشلون أسأله؟ عينكم لا شافت. كان الذي "يحقق" معنا يصر على أننا لم نأت للبحث عن فرصة عمل بل لمهمة أخرى. ويقسم "بشرفه" أنه يعرفها لكنه يريدها أن تطلع من أفواهنا كي يرحمنا لأن من اعترف بذنبه لا ذنب عليه. كان يؤكد لنا أنه يعرف أسماء المسؤولين بالسفارة العراقية وأنهم أصدقاؤه وأنه يعرف حتى القابلة المأذونة التي ولّدتنا. أردت أن أقول له والله أمي جابتني وحدها بدون قابلة مأذونة، لكني سكت من الخوف. وكلما رفع الهاتف تصفق قلوبنا قبل أضلاعنا من الرعب، لأن حركته كانت توحي بأنه يحاول الاتصال بأحدهم هناك. كل ما منيت نفسي به، في تلك اللحظة، أن نكون قد وقعنا في مصيدة "الكامرة الخفية". فجأة دخل الغرفة شخص أشعرتني ملامحه بأن الغرفة قد اهتزت. نهض له الجميع فعرفت أنه مسؤول كبير، وأن لحظة "إجاك الموت يا تارك الصلاة" قد حلت. ويا غياث أغثنا. سألهم  بنبرة تشبه نبرة ذلك الذي حقق مع "غوار" في مسرحية "كاسك يا وطن" عما توصلوا إليه. نظر إليه الذي كان يحقق معنا فعرف الجواب من نظرة عينيه دون أن يكلمه. أجابه "الكبير" بنظرة من نوع خاص فهمها المحقق، فأشار علينا بالخروج لغرفة الاستعلامات إلى أن ينادى علينا.وبدون أن أحدث زميلي أو أتفق معه اتجهنا مباشرة صوب الباب فصرنا في الشارع. وبعد الخروج أصبح حلمنا أن نحظى بمرحاض قريب. يبدو أن بطون المرعوبين، مثل قلوبهم، تصبح في مثل تلك اللحظات "سواجي".وفي القطار ونحن في طريقنا لمدينة "كارديف"، التي كنا نقطنها آنذاك، نطق صاحبي لأول مرة:تعرف أنه أول ما دخلنا شتميت الريحة. يا ريحة؟ ريحة الحزب. يا حزب؟ البعث! وأنا كذلك، يالله الحمد لله على السلامة. الله يسلمك. قالها ثم ردد ما كان يقوله فلاح عسكر:صار الحزب شدة ورد والريحة بعثية. لكنه وللأمانة استبدل الورد بالـ ...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram