TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: عملية أمنية لا سياسية

أحاديث شفوية: عملية أمنية لا سياسية

نشر في: 3 سبتمبر, 2012: 09:29 م

 احمد المهناالسياسة تعمل بالأفكار. والأمن يعمل بالعضلات. وكلاهما يتحركان بالمال. واذا عملت السياسة بالعضلات خرجت من نطاقها الى مجال الأمن. ماتت السياسة وعاش الأمن. توفيت الفكرة واحتيت القوة. والقوة من دون ضابط الفكرة خروج على القانون. والقانون هو السيد الذي يحدد للسياسة مكانها وللأمن مجاله.
 ان السياسة عمل مضبوط بالقانون. والأمن شرعي حين يكون يد القانون. وبضعف سلطة القانون تنتهي السياسة وتحتكر القوة كل العمل. تصبح العملية السياسية عملية أمنية فوق القانون.وقد صار الأمن، أو القوة العسكرية والبوليسية، فوق الجميع في عراق اليوم. التعبير المباشر عن ذلك هو جمع رئيس الوزراء، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وظائف وزير الدفاع والداخلية والأمن الوطني والمخابرات. وهي الوظائف المسؤولة عن توفير الحماية للقضاء والقضاة. ويمكن لهذه الوظائف أن توفر مثل هذه الحماية اذا كانت هي نفسها خاضعة للقضاء، أي قابلة للمحاسبة القضائية، ككل هيئة أو فرد في دول القانون.ولكن من الواضح ان القضاء لا حيلة له في العراق تجاه الحكومة، وتجاه ما يسمى "العملية السياسية". ان"القوة" في عراق اليوم متعددة الى حد ما، وليست احتكارا تاما للحكومة، فاقليم كردستان يتمتع باستقلال ذاتي كبير، كما أن تعددية الولاءات، المناطقية والطائفية والإثنية، تعكس ذاتها على القوات المسلحة. والأخيرة، فوق ذلك، لاتزال ناقصة التجهيز وبالتالي ناقصة السيطرة على البلاد.وجميع مظاهر القوة والضعف هذه بمثابة مصيبة على رأس القضاء. فهي فوقه. بوجودها يفتقد القدرة على محاسبتها. والقوة والضعف معا يلغيان امكانية حمايته ويضعفان، ان لم نقل يعدمان، سلطته. وهذا ما تمكن ملاحظته من خلال غياب قدرة القضاء، وبالتبعية البرلمان، على "المحاسبة". والمحاسبة وحدها ما يجعل السياسة عملا ممكنا. وغيابها أمر واقع يقره رأس السلطة التنفيذية نفسه. والرجل كثير الكلام. وكلماته، كما يقول عنها الصديق الباحث الجاد يحيى الكبيسي، من الوفرة والوضوح، بحيث تستطيع اعطاء فكرة وافية عن طبيعة الثقافة السياسية في "عراق المالكي".عن المحاسبة قال المالكي أمام تجمع احدى العشائر في 27 /8 / 2012 :" محد يكدر يحاسبنا، أنا أكللكم بصراحة محد يكدر يحاسب الحكومة، لأن انت شمقدم للحكومة من مساعدة حتى تحاسبها؟ انت مقيدني، انت مكبلني، ما منطيني حرية حتى أكدر أتحرك، طبعا ما أكدر انتج". إن ثقة الرجل بانعدام امكانية محاسبته في محلها. فالمحاسبة ممكنة فقط عندما يكون القضاء فوق الجميع، وبالتالي تكون "السياسة" بدورها ممكنة.ولكم أن تتصوروا الحرية، أو بالأحرى القوة، التي يطمح اليها اذا كان انعدام القدرة على محاسبته لا يكفيه. والحقيقة البسيطة هي أن الفساد مصير أي حكومة حرة من المحاسبة. ليس الفساد المالي والاداري فقط، على فظاعتهما، وانما فساد السياسة جملة وتفصيلا، وتحولها الى عمل عضلي، عمل يحتكم الى القوة، وبالتالي افراغ "العملية السياسية" من مضمونها، وتحويلها الى "عملية أمنية"، يقوم التنافس والصراع فيها على قوة العنف، لا على قوة الأفكار. فالحزب الأقوى هو صاحب العضلة الأقوى، وهناك دوما "سباق تسلح" من نوع ما. هنا يكاد يتساوى الجميع في مرد القانون، وبالتالي البلاد والعباد، الساسة وأبو بكر البغدادي الذي عرف من يختار حين خص القضاة بالتهديد في آخر بياناته. ذلك ان "القاعدة" وأشباهها تحيا بموت السياسة. ولا سبيل الى ذلك أضمن من الإطاحة بسلطة القانون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram