مازن الزيديما كان الكثير من العراقيين يخشونه وقع منذ خروج اخر جندي اميركي من اخر شبر جنوب البصرة نهاية العام الماضي، فقد اختطفت الديمقراطية وباتت في خبر كان، والعمل جار لافراغها من جوهرها والابقاء على قشور مشوهة.
النظام الديمقراطي والدستور الدائم باتا معتقلين في احدى الغرف الملحقة بمكتب القائد العام للقوات المسلحة الذي اصبح يدير الدولة بعقلية جنرالات الحروب ممن يرون الحياة عبارة عن ساحة قتال مستمرة لا تعرف سوى لغة "القصف" و"المدفعية" و"الخنادق" و"الحجابات" فضلا عن "الانقلابات" و"الاغتيالات" و"حظر التجوال".الانقلاب على الدستور والديمقراطية التي اتحدث عنها هنا لا يشبه الانقلابات التي عرفناها وقرأنها في تاريخ العراق المعاصر، بل هو انقلاب ذكي استثمر بدهاء كبير ادوات الديمقراطية للانقلاب عليها هل تتذكرون التفسير "المتعسف" للمادة 76 التي تحدد الكتلة الاكبر وكيف غيرت نتائج انتخابات 2010؟الحلقة الاخرى في هذا الانقلاب كان قرار الحاق الهيئات المستقلة برئيس الوزراء والذي لم يفلت منه سوى ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة لكنهما ايضا ارتبطتا بمكتب دولة الرئيس بشكل عملي، فيما لا يزال امر البنك المركزي يخضع لضغوط هائلة من اجل الاستحواذ عليه والسيطرة على "بيت مال" العراقيين.القائد العام للقوات المسلحة ومكتبه باتوا يشكلون حكومة مصغرة بعد ان نجحا في ضرب الخصوم وتصفيتهم وتكميم الافواه والاقلام "النشاز" ممن تتجرأ على قول او كتابة كلمة حق في وجه "سلطان" منتشي بانتصاراته وباختطافه بلدا خرج للتو من عباءة اقبح الديكتاتوريات.لن ننسى التلويح الذي تضمنه خطاب المالكي بانه "القائد العام للقوات المسلحة" ليلة اعلان نتائج الانتخابات ومطالبته باعادة العد والفرز، هل كنا نحتاج حينها لبيان رقم واحد يتلوه على مسامعنا جنرال ببزة عسكرية وشوارب كثة؟ الكثير منا لم يك يتوقع ان البعض لا يؤمن بالديمقراطية الا لمرة واحدة، كما كان يصرخ الراحل محمود درويش!كل اطراف العملية السياسية، ما عدا فريق المالكي، يحلو لها التخفيف من وطأة هذا الانقلاب بالحديث عن "ازمة سياسية" وهو ما جرهم للخضوع القاتل لقواعد اللعبة التي يحددها الفريق الحاكم، فهو الذي يوقع على الاتفاقيات وهو الذي يمتلك لوحده تفسيرها حسبما يشاء.زعيم العراقية قادته "حنكته" العاثرة للقبول بنتائج الانتخابات، بعد 8 اشهر من المفاوضات والمفاوضات المضادة،على امل الحصول على رئاسة "مجلس السياسات الاستراتيجية" لكنه ومنذ ذلك الوقت يركض وراء سراب يحسبه الظمآن ماء، حتى اتعبه هذا الماراثون الطويل ففضل الانزواء بعد الضربة التي وجهت لزميله طارق الهاشمي.يقبلون بالخسارة لكنهم يرفضون نتائجها، وانقلاب القائد العام من نتائجها. ومن نتائجها ايضا الحرب الشعواء التي تطال الحريات الشخصية والمدنية هنا وهناك على ايدي بيادق مكتب القائد العام، فلا يليق به ان يزج بفخامة دولته للخوض في هكذا معارك صغيرة تافهة، وهو الذي حقق الانجازات الكبرى، يكفيه اصغر عسكري يحمل هراوة لترويع المدافعين عن الحريات والتنكيل بهم على مرأى ومسمع الطوائف السياسية التي باتت تتزلف لدولته وتقدم النذور للتقرب الى حضرته.قمع الحراك المدني ومقتل هادي المهدي، الذي تقترب ذكرى رحيله الاولى، كان ايضا نتيجة "انقلاب آذار" وسكوت القوى السياسية على ذلك، و"صولة البارات"، التي قادها بنجاح مكتب القائد العام مساء الثلاثاء، كانت اخر تلك النتائج لكل الاتفاقيات التي ابرمت مع دولته من دون ضمانات. والكل يدفع الان نتيجة "اتفاقية اربيل" التي وقعها البعض عن طيب قلب او سذاجة. من ضرب في ساحة التحرير في 25 شباط وما تلاها ومن اعتقل وهدد او تمت تصفيته أثناءها وبعدها كانت نتيجة طبيعية جدا لمنطق الخضوع للانقلاب الذي يصر الجميع على تسميته ازمة.حكومة القائد العام، بعد قمع الكبار، باتت قادرة على ادارة سلسلة غزوات وصولات لن تنتهي بمعاركها مع "خصومها الصغار" في النوادي الاجتماعية وممن يرفضون الحجاب واللحى. فثمة شهوة للبارود المتصاعد حولنا، وثمة جنرالات يشحذون السيوف لمعاركهم اللاحقة.
نقطتين شارحة: انقلاب آذار وصولة البارات
نشر في: 5 سبتمبر, 2012: 09:32 م