د. نجم عبد الله كاظم*القسم الاولنشرتُ قبل سنوات عدة دراسة عن الصورة والأدب، حملت عنواناً جانبياً، كان مهماً بالنسبة لي، وهو (في نقد مقولات الموت في الأدب). أي أنها كانت جوهرياً حول هذه المقولات الكثيرة في الأدب، لاسيما التي عُرف بها عبد الله الغذامي، وبعضها كان أصداءً لمقولات نقاد وكتاب غربيين، وأكثرها من عندياته،
وفي الحالين (هوّس) الكثيرون استجابةً لها ورقصوا على إيقاعاتها، ومنها: مقولات موت المؤلف، والرواية، والشعر، والكلمة، والأدب، والنخبة، والنقد الأدبي... إلخ. وقد زعمتُ حينها، وما زلت أزعم أنني اكتشفت مفارقة تتمثل في الحقائق الأربع الآتية: أولاً، إن ما من واحدة من الميتات أو المقولات بالموت قد تحققت فعلاً، بل حتى مقولة (موت المؤلف) التي تنتمي إلى غير ما تنتمي إليه مقولات الموت الأخرى، وهو المجال المعرفي والنقدي، لم يطل القول فيها حتى كان التراجع عنها. وثانياً، أن أقربها إلى التحقق كانت مقولة (موت الشعر) التي قيلت في الغرب في سبعينيات القرن العشرين حين صار ديوان الشعر في بريطانيا، مثلاً، يوزع بعدد أصابع اليدين أو يزيد قليلاً. لكن الأمر دفع الكثير من الجهات الأدبية والثقافية والنخبوية بل الرسمية إلى بذل الجهود والحملات لإنقاذه، وتم لها ذلك. ثالثاً، بعد أن توقع أصحاب القول بموت الرواية، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، أن يكون العصر عصر موت الرواية، كانت المفاجأة لا في أنه لم يصر عصر موت الرواية، بل صار عصر الرواية كما ما زلنا نراه. رابعاً، اقتربت مقولة الغذامي بموت النقد الأدبي من السطحية، إذ ما ثبت شيء ولو بسيط جداً منها. وأنكى من ذلك أنه ألحقها بمقولات موت أخرى ربما آخرها القول، أو إحياء القول بموت النخبة، التي يعود أصلها في الغرب إلى بداية ستينيات القرن الماضي. حضر كل هذا في بالي حين تابعتُ، قبل أكثر من سنة، مناقشات دارت، في وسائل الإعلام، بين مجموعة من مثقفينا ونقادنا وأدبائنا حول واقع الرواية العراقية، ووجدت من خلالها كيف أن البعض يقول بأشياء ويعلن عن أحكام وقد يصادر ما يخالف ذلك، باستسهال وتعميم ودون استناد إلى قراءة واعية أو غير واعية للواقع أو المنجز الذي يتكلم عنه، وهو هنا المنجز الروائي العراقي. وكدت حينها أن أدخل في النقاش قبل أن أتراجع لأسباب لا نريد الخوض فيها. ولكنّ عودةَ شيءٍ من تلك المناقشات إلى الواجهة من فريق مجموعة من المثقفين اشترك معظمهم مع السابقين في تجريد الرواية العراقية من بعض أهم خصائصها، وفي إسقاط العشرات، بل المئات من روائع الرواية العراقية، جعلني أعود إلى الموضوع وإلى ملاحظاتي عنه فكانت هذه المقالة، لأرد بها على تلك الحملة غير الموضوعية وغير المفهومة. قبل هذا، قد نسمع مثل هذه المقولات والآراء، وعن مختلف أنواع المنجز الإبداعي والنقدي والبحثي والفكري، من مثقفي المهاجر العراقيين، وهنا أريد أن أمر بنقطة أراها متعلقة، وإنْ بشكل هامشي، بذلك. فعلى خلاف معظم مغتربي الأمم والشعوب والبلدان، كثيراً ما تجد مغتربي العراق، وربما المغتربين العرب عموماً، أنهم: أولاً، يغتربون عن ثقافة بلدهم ونشاطاته والحياة فيه، ولهذا فأنت لا تجدهم، مثلاً، يستمعون من الأغاني العراقية إلا للقديمة، ببساطة لأنهم لا يعرفون ما بعدها بسبب الانقطاع عن البلد. وثانياً، أنك لا تجد بين أولادهم غالباً من يعرف العربية، وإن عرف فهي ركيكة، مرة أخرى لأنهم حين يهاجرون العراق فإنهم ينقطعون عنه وعن كل خصائص هويته. وثالثاً، أنهم لا يعرفون عن واقع بلدهم إلا القليل، والغريب أن هذا عادةً ما ينسحب على الكثير من المثقفين والأكاديميين والكتّاب والمبدعين، لتكون النتيجة افتراقاً وغربةً عن البلد وشبه الجهل بثقافته. وأظن الكثير من قرائنا حين التقوا بعض من عاد من هؤلاء المثقفين بعد السقوط بشكل نهائي أو في زيارة للبلد، وجدوهم لا يعرفون مما يخص ثقافة العراق إلا ما يعود إلى السبعينيات وما قبلها، بل أكثر من هذا أنهم قد يُنكرون أصلاً أن يكون للعراق شيء ما بعد السبعينيات. وهنا أتذكر أن أحد أكثر الكتاب يسارية وموضوعية وعلمية قد رفض في مناسبة معينة أن يعترف بأي شيء مكتوب داخل العراق ما بعد منتصف السبعينيات، علماً أنه كان قد خرج من العراق نهاية ذلك العقد وعاد بعد السقوط، وعليه فإن كتابته ودراسته وشهادته الأكاديمية التي انبنت في العراق لم يشملها هذا الإلغاء بالطبع. هذا يقودنا إلى عدم الاستغراب من مواقف الكثير من المثقفين والكتاب، بل الروائيين، العراقيين المغتربين من الرواية العراقية في الداخل. ولكنْ، تعلقاً بمقالنا، ليس لنا إلا أن نستغرب مِن أن يكون مثل هكذا مواقف ومن الكلام سلبياً عن هذه الرواية هم أولاً من الروائيين والنقاد والأكاديميين، وهم ثانياً من غير المغتربين، وفي كلا الحالين نفترض أنهم على علاقة عميقة بالرواية العراقية.( 2 ) وبدايةً دعوني ألخّص في الآتي أهم ما أخذه معظم المناقشين على الرواية العراقية خلال السنوات العشر الأخيرة أو نحوها، مما يبدو أنه جاء غالباً بدون مرجعيات قراءية واضحة، ولا مرجعيات نقدية رصينة، ولا معلومات فهرسية وتاريخية كافية:لعل أهم ما قال به الإخوة الأعزة،
الرواية العراقية في العقد الأول من القرن ..واقع وحقائق ومؤشرات
نشر في: 7 سبتمبر, 2012: 06:22 م