حسين رشيد1كثيرا ما تم تناول شخصية الإنسان العراقي وتفكيكها والبحث في فضاءاتها المختلفة، وقد يكون الدكتور علي الوردي أول الباحثين بهذا الشأن مع الأستاذ حنا بطاطو، وما تلاهما من أبحاث ودراسات ومؤلفات، وأطروحات لشهادات عليا. كما قيل عنها الكثير ووصفت بالمزاجية وبالتقلبات السريعة،
ازدواجية الطرح، شخصية مقهورة، مظلومة، مغلوبة على أمرها، وغيرها مما هو معلوم، بالإضافة إلى بعض التوصيفات القاسية والجارحة بحق هذه الشخصية. لكن أغرب وأقسى ما قيل بحقها، جاء من قبل ممثل المرجعية الدينية في النجف الأشرف، في إحدى خطب صلاة الجمعة الرمضانية، السيد احمد الصافي، حين قال "إن الفرد العراقي تحول إلى شخص نفعي ومحتال وقد سحقت هويته، وان هناك جهات تعمل على ذلك". الغرابة بالأمر أن التوصيف جاء في وقت يشهد به البلد صراعات ربما تصل إلى حد انهيار الدولة. وقت ذهب به المواطن البسيط ضحية لحيتان السياسة التي تلبس عباءة الدين، وتؤدي كل أعمالها باسم الدين، وقت انتهك به كل شيء وتحول الحلال حراما، والحرام حلالا، وقت تفشت به البطالة، وعم التزوير مؤسسات الدولة، ونخر الفساد كل مرافقها. وقت نهبت به كل خيرات الوطن باسم الحق الشرعي.2إبان فترة الخمسينات والستينات وحتى السبعينات من القرن المنصرم. كان الفرد العراقي في قمة الالتزام بالقانون والنظام، مع سمة التحضر التي كانت طاغية على المجتمع. لا يعرف الرشوة والمرتشي ولا التزوير والاحتيال والنصب والنفعية على حساب الآخرين، كان هناك ثقة متبادلة بين الجميع وخاصة في التعامل والتبادل التجاري اليومي، كان مهتما بالثقافة والفن والاطلاع على كل ما هو جديد ومفيد. ولو عدنا واسترجعنا الاحداث والتحولات التي طرأت على البيئة والحياة العراقية، وكيف انعكست على الفرد العراقي، لوجدنا أن هناك اختلافا كبيرا وخللا أكبر، في مراحل هذه الحياة، سببه الأول دائما هو من يقف على هرم السلطة. وتمثل فترة نهاية السبعينات، بداية الانهيار للشخصية العراقية، بسبب خروج أغلب الكفاءات والقدرات الثقافية والفنية والأدبية والأكاديمية والعلمية التي كانت تمثل القوى الوطنية وخاصة اليسارية منها، جراء حملة البعث المقبور واستيلائه على السلطة، حيث كان لهذه القوى دور كبير في ترسيخ الهوية الوطنية، وتثقيف الطبقات الفقيرة والكادحة بأهمية الانتماء الوطني، والإخلاص في العمل، وتقديم كل ما يمكنه المساعدة في بناء وتقدم وازدهار البلد. الامر الذي ولد فراغا كبيرا في منظمومة الافكار والرؤى في تلك الفترة وما تلاها من أول سنيّ الحرب العراقية الإيرانية، التي أعادت سلطة وهيبة العشيرة حيث حلت بدل القانون والنظام. وشاعت ظاهرة المكرمة والتكريم. وخاصة لذوي ضحايا الحرب الأمر الذي وصل ببعض العوائل أن تتمنى أن يكون أحد أبنائها من بين الضحايا. علاوة على تفشي ظاهرة الوشاية وكتابة التقارير الحزبية، حتى على أفراد العائلة الواحدة في بعض الحالات، لتبدأ مرحلة الانهيار الجمعي الأخلاقي للمجتمع.لتأتي بعد ذلك تسعينات الحصار والاضطهاد والقمع والجوع والهجرة الثانية، التي أفرغت البلد مما تبقى من كفاءات يمكن الاعتماد عليها. كما شاعت في تلك الفترة ظاهرة الغش والسرقة والاحتيال والنصب والتزوير بشكل لافت، إذ كان للسلطة يد في الكثير من هذه الحالات والظواهر التي طغت على المجتمع حينها وسببت إرباكا في كل مفاصله.3ها هي سنة 2003 وشهرها الرابع تعلن سقوط نظام البعث المباد. وتحول العراق من بلد قادته سلطة دكتاتورية إجرامية، إلى بلد يعم بالفوضى والهرج والمرج والتدمير والخراب. وهذا شيء عادي يرافق أغلب هكذا تغييرات. لكن ليس بحجم ماحدث في العراق، إذ يعود السبب الأول إلى الشعور بعدم الانتماء للوطن، حيث بات المواطن العراقي غريباً في بلده، فسرق ودمر وخرب كل شيء بحجة هذه حقي. انتهت فترة الفوضى وحلت مرحلة الإرهاب والطائفية، وجاءت انتخابات أولى، وتشكلت حكومة بدعم من المرجعية والقوى الدينية. وبدأ سرطان الفساد يتفشى في كل مرافق الدولة، حتى بات آفة أكلت الأخضر واليابس مع استمرار الأزمات السياسية والأمنية والاجتماعية. لتأتي انتخابات أخرى، وتفرز ذات الحكومة لكن بتغيير أعلى الهرم، وبذات الدعم سواء كان معلنا أو خفيا. واستمر مسلسل الإرهاب والطائفية، والمحسوبية، والتزوير والاحتيال، والفساد، والغش وكل ما هو سيئ. وأعيد ذات الأمر في حكومة ثالثة، وظل أعلى هرم السلطة في مكانه، حكومة مر نصف عمرها ولا تزال الكثير من دوائرها ومؤسساتها ووزاراتها تدار بالوكالة. مع 20000 ألف شهادة مزورة، أغلبها لمسؤولين بارزين في الدولة وأكثرهم من جهات نالت دعم المرجعية.النفعية ياسيدنا الصافي ابتدأت من الأعلى ممن نال دعمكم ورعايتكم، ولم يلتفت مرة واحدة للكثير من طلباتكم وآرائكم وأقوالكم وتوجيهاتكم، وخاصة تلك التي تدعو إلى نبذ العنف ومكافحة الفساد ومعاقبة المزورين وتوفير الخدمات، وكأنه بعيد كل البعد عنكم. إذ كان الإنسان البسيط يمارس الاحتيال والغش لكسب قواته اليومي، فهو بسبب جشع وفساد من هم في السلطة وعلى رأس إدارة الدولة، وأرقام صفقاتهم وسرقاتهم الفلكية. المواطن البسيط يحتال حتى يوفر أبخس أنواع الطعام لأطفاله، لا لكي
العراقــي"محتــــال ونفعــــي"!
نشر في: 7 سبتمبر, 2012: 07:04 م