احمد المهنايُعرف الحاكم، مشروعه وأخلاقه، من أشياء كثيرة، أهمها تصرفات قواته الأمنية من جيش وشرطة ومخابرات. فإذا كان مشروعه رفيعا وأخلاقه عالية، جاء سلوك قواته الأمنية كذلك رفيعا وعاليا. وعلى العكس اذا كان مشروعه صغيرا وأخلاقه وضيعة فكذلك تكون قواته الأمنية.
rnواذا انخفضت أخلاق القوات الأمنية انهار القانون وسقط لأن يده أصبحت مرتزقة وعدمية ووحشية. واذا ارتفعت أخلاقها تسامى القانون وتعزز لأن يده صارت مهنية ووطنية وانسانية. والقاعدة العامة هي ان لا شيء مرتفع في بلد منخفض. السياسة والديانة والأخلاق وكل شيء آخر ينخفض أو يرتفع تبعا لمستوى الحكومة وحقيقة أهدافها. فالحكومة هي صورة أوضاع البلد الذي تحكمه. والفرق بين القوات الوطنية وبين قوات المرتزقة يتمثل بالتزامها من عدمه بقيم الإحترام والأمانة والشجاعة. وهذه قيم لها ترجمات محددة وموضحة وملموسة في قوانين الدول. ومخالفات هذه القوانين، كالإعتداء والفساد والتخاذل في اداء الواجب، هي جنح او جنايات عليها عقوبات مخففة أو مشددة حسب حجمها.rnوتعالوا نفهم ماهية سلطة المالكي وقواته الأمنية من خلال ليلة الإعتداءات المباغتة. فهذه القوات التابعة لمكتبه العسكري الحاكم هاجمت ليلة الثلاثاء الماضية، في حملة منسقة، عددا من النوادي والبارات البغدادية التي تُقدَّم فيها مشروبات روحية، وكسرت وحطمت بعض ممتلكاتها، وسرقت منها قناني خمور وأموالا، كما سرقت موبايلات من الزبائن، واعتدت بالضرب والاهانة على روادها. وكل هذه الأفعال داست على قيم الاحترام والأمانة والشجاعة، وعلى القانون والدين والأخلاق، مثلما اعتادت أن تفعل أي قوات مرتزقة طوال التاريخ. rnقد يقال أن مهاجمة نوادي الخمور أمر منسجم مع الدين. وهذه فرية تامة، فالدين هو النصيحة، لا الاعتداء والضرب والاهانة والسرقة والتكسير والتحطيم. ان هذه أفعال جرمية. وحتى لو كانت دولة العراق الحالية دينية، وهي ليست كذلك بنص الدستور، فهل يجوز تطبيق الدين بمخالفة القانون؟ الحقيقة هي انه ليست هناك اساءة للدين أكبر من ادعاء خدمته بوسائل إجرامية.rnأبعد من مخالفة الدستور والقانون، على خطورتها، تناقض هذه الأعمال قيمة لا يوجد من دونها سلام اجتماعي. وهي التسامح مع "المختلف"غير المخالف للقانون، من دين أو طائفة أو فكر أو سلوك. وعندما لا تلتزم الدولة نهج التسامح مع المختلف، ولو كان هذا المختلف أقلية مجهرية، تخسر وظيفتها وتفقد معناها كأداة وحدة وطنية، ولا تعود هناك دولة من الأساس، وانما حكومة حزب واحد أو اتجاه واحد في حرب أهلية، كامنة أو ظاهرة، مع أحزاب أو اتجاهات أخرى. rnوبوصفها متعصبة، ومخالفة للدستور، ومتعارضة مع روح نظام الدولة ووظيفتها، فان أعمال قوات المالكي هذه تلتقي في النوع مع أعمال "القاعدة"، وان اختلفت في الدرجة. تنظيم "القاعدة" يلغم وينسف. وقوات المالكي تعتدي وتسرق. الاثنان يلتقيان في الهدف، ويختلفان في الوسيلة. وهناك اختلاف آخر هو شفافية "القاعدة" ونفاق الحكومة في الموقف من المشروبات الروحية. عدا ذلك فإن كليهما يطغى على الناس ويبطش بالقانون ويهدد السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية. وهذه هي دائما النتائج البعيدة للمساس بالحريات المدنية- ومنها الكرامات الشخصية لمسلمين يتناولون الخمور ومسيحيين وايزيديين يبيحونها ويرتزقون بصناعتها وتجارتها.rnوهذه القيم والأهداف والأرزاق، المعتدى عليها أو المهددة، تمثل في ذاتها مصالح وطنية عليا، حسب الدستور الحامي لمبادىء الديمقراطية وثوابت أحكام الاسلام. فليست هناك مصالح لأي بلاد أعلى من أن تكون متعايشة بسلام وموحدة وحرة. كذلك فان التجاوز على هذه الحريات يضر الاقتصاد الوطني، خصوصا الاستثمار الأجنبي، وهو أيضا في صدارة المصالح العليا. فمن يغامر ولماذا يغامر بالاستثمار في بلد هذه هي أحواله؟ rnثم أنه هل هناك ضربة لأي بلاد أكبر من تحويل قواتها الأمنية الى مرتزقة؟هل هناك خطر أكبر من هذا على أي أمة؟ وهل نعرف ونشعر بأن العراق في خطر فظيع أم أن ثلاثي التجهيل والتخويف والتجويع لايزال يعمينا ويشلنا ويذلنا؟rnان قضية "ليلة الاعتداءات الطويلة" وأخواتها وأشباهها أبعد بكثير من مجرد الخمرة!rnrn
أحاديث شفوية:أبعد من مجرد الخمرة
نشر في: 7 سبتمبر, 2012: 09:46 م