TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > النائب ابو قتادة

النائب ابو قتادة

نشر في: 15 أكتوبر, 2012: 08:10 م

«تقدم رجل الدين "المتشدد" ابو قتادة مجدداً باستئناف قد يكون الأخير ضد قرار ترحيله من بريطانيا إلى الأردن حيث يواجه تهماً بالإرهاب» هذا الخبر نشر على موقع الـ(BBC) قبل أيام، وهو يتحدث عن آخر تطورات قضية أبو قتادة، وهي قضية مضحكة مبكية بنفس الآن، لأنها تكشف أحد أهم المآزق التي يعاني منها وعينا (العقائدي)، فأبو حمزة هذا يخوض معركة قضائية ضد قرار ترحيله من بريطانيا إلى الأردن، ما يعني بأنه يفضل البقاء في بريطانيا، وهي الدولة المدنية العلمانية الليبرالية المسيحية الكافرة، على الرحيل إلى الأردن، وهي الدولة المسلمة، حيث الناس والدولة والحكّام والقضاة، أقرب إلى الله وإلى نبيه والإسلام.. والسؤال الذي يكشف زَيْف وعينا العقائدي، هو: لماذا يفعل أبو قتادة ذلك؟

قبل الإجابة على السؤال لا بد من الإشارة إلى أن الرجل أحد أهم الداعين للجهاد المسلح في أوروبا، ما يعني بأنه يريد أن يستخدم حتى السلاح لتغيير النظام الذي يُصِرُّ على الاحتماء به، وهذا يكشف موقفين، الأول عملي/ مصلحي متشبث بالنظام (الكافر)، والثاني نظري/ دعوي، يدعوا لتهديمه. أي أن الرجل يطالب سائر المسلمين بتفجير نظام يُصِرُّ هو على لحس قِصاعه!!

إذاً، هذا هو جواب السؤال السالف، فثوب عقائدنا أصبح قصيراً جداً على مصالحنا الواقعية، لذلك تجد أن هذه المصالح تحاصرنا لدرجة تدفعنا للانقلاب على تلك العقائد، لكن، ولأننا لا نملك وعياً نقديا قادراً على مراجعة الثوابت، نضطر إلى الرضوخ لعقائدنا ما دامت بعيدة عن المصالح، فنعيش ازدواجاً مخزياً، وسنبقى هكذا ما بقينا نقرأ الحاضر بلغة الماضي وليس العكس..

ماضي ابو قتادة اخبره بأن حاضر بريطانيا وبقية الدول (الكافرة) فاسد ويجب تقويمه، فاختار المضي بمسيرة التقويم، التي أوصلته إلى محطة التخلي عن امتيازات النظام الفاسد، وكان عليه الانسجام مع نفسه والمغادرة، لكنه يعرف أكثر من غيره، أن دخوله الأردن يعني وقوعه تحت رحمة المسلمين، ملكاً ورجال مخابرات وقضاة وسجانين، وهؤلاء يُشَكِّلون نظاماً يعرف أبو قتادة مقدار (صلاحه).

أبو قتادة وأمثاله ممن يقرأون الحاضر بلغة الماضي يشبهون المريض الذي يرفض الدواء إلى أن يضطره الألم إلى أخذه اضطراراً، وكانوا فيما سبق قد رفضوا النظام الديمقراطي، مفضلين عليه العيش تحت ظل الـ(مستبد العادل) كالخليفة العثماني. ورفضوا النظام التعليمي الحديث، بتنوعه العلمي، أيام أجبرونا على نظام تعليمي يقتصر على حفظ القرآن، فقط، عند الكتاتيب. رفضوا تعليم المرأة وعمل المرأة ومساواة المرأة. وقفوا بوجه الراديو والتلفزيون والستلايت.. وحرموا، وما زالوا، معظم أنواع الفنون.. كنّا مرضى، وكانت هذه التطورات بمثابة علاج منعونا منه إلى أن اضطروا لتناوله هم، فتبعناهم مدهوشين.

واليوم كم من ابو قتادة يسمك بمصائرنا ويمنعنا من ميّزات النظام المدني، بينما يقاتل هو حتى آخر نفس قبل أن يتخلى عن جنسيته التي تُبقي له خط رجعة مع دولة أوربية يريد أن يعود لها بعد أن ينتهي موسم حصاده، ليعيش وأفراد عائلته بقية حياتهم في ظل نظام مدني كافر، يضج بجميع أنواع الرذائل والموبقات التي يخاف علينا منها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. بطران

    ان قرار ترحيل الارهابي المجرم ابو قتادة الى الاردن قد عفى عنيه الزمن منذ مدة طويلة .. هل ان صحافتنا بهذاالقدر من التخلف ..ابو قتادة تم ترحيله الى الولايات المتحدة قبل اسبوع بعد ان خسر اخر جولة له مع القضاء البريطاني...وخلال ساعة من وصوله الى نيويورك تم ت

  2. احمد خالد

    الاخ المحترم ابو قتادة هو نموذج لمعظم رجال الدين، يقومون بتكفير الغرب ويحلمون بتعليم ابناؤهم هناك، يفتون بفسق الغرب ويتمنون العيش هناك. لكن لحظة الحقيقة تكشف عوراتهم وزيف دينهم، ولا تستغرب ان يأتي يوم يقوم به ابو قتادة بتكفير النبي محمد شرط ان يبقى في لند

  3. ابو علي

    صديقي العزيز سعدون جرد بسيط لابناء وبنات الدعات في سفارتنا يعطيك صوره ثلاثية الابعاد( واضحه) لزيف تخاصمهم مع الغرب الكافر كما يدعون.اما طلبات اللجوء لدبلوماسينا من كل اطياف العراق في دول الغرب خلال فترة خدمتهم وقبل انقضاء المده تقول لك انهم كلهم ابو قتادة

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram