TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن: عجائب وطرائف وزارة الثقافة

العمود الثامن: عجائب وطرائف وزارة الثقافة

نشر في: 10 سبتمبر, 2012: 09:30 م

 علي حسينمنذ أن قرّر مفكر وزارة الثقافة ومستشارها الإعلامي الكبير عبد القادر سعدي الجميلي، التحرك الفوري للوقوف بوجه مخططات الأديبة لطفية الدليمي، الرامية إلى منع بث إشعاع هذه الثقافة إلى بقاع الدنيا كافة، وشوارع العالم ومسارحه ومنتدياته الثقافية ودور العرض السينمائية الكبرى في هوليود، ومتاحف باريس وبرلين وروما تعيش حالة من الحراك والتضامن والتفاعل مع دعوة الجميلي التي انطلقت من شارع حيفا في بغداد وسمع دويها قارات الدنيا السبعة. بداية لا أريد أن يعتقد البعض إنني اسخر من السيد الجميلي، فالسيد المستشار مفكر بالفعل والقول، وبصرف النظر عن أن أفكاره هذه قد لا يستوعبها المثقفون والأدباء والفنانون،
وربما تصيب البعض منهم بنوبات من الضحك الهستيري، إلا أنها تبقى أفكارا لو سمحت الحكومة باستثمارها يمكن لها أن تغير وجه العالم، مثلما غير مفكرنا الجميلي تصنيف القناديل من مصابيح للإضاءة إلى ثمار، وطالب بأن تسقى حصريا من مياه دجلة والفرات. واعتقد، بعد البيان الثوري الذي أصدره مفكر وزارة الثقافة، وبشرنا فيه من أن مشروع "بغداد عاصمة للثقافة العربية 2013" سيقام بحشد وطني تشارك فيه الوزارات العراقية وأمانة بغداد ومحافظة بغداد، فان على السيدة لطفية الدليمي أن تطمئن، فاللجنة ستضمّ إضافة إلى الحاج سعدون الدليمي الحاج صلاح عبد الرزاق والحاج كامل الزيدي ولفيفا كبيرا من الداعين الى تهديم اتحاد الادباء على رأس "الفريد سمعان" وممّن يصرون على منع الفعاليات الغنائية استنادا إلى الفتوى التي أصدرها رئيس لجنة الثقافة والإعلام في البرلمان علي الشلاه الذي اعتبر حشر الغناء في المهرجانات الثقافية يعد مخالفة للتعاليم الدينية.  سيتهمني البعض بأنني أمارس الهزل في موضع الجد، لكن الحقيقة تقول انه ليس أكثر هزالا وإساءة للثقافة ان يتولى أناس من شاكلة الجميلي مهمة مستشار إعلامي، هذه المهمة التي سمحت له وللأسف ان يتطاول على أديبة ومثقفة مثل لطفية الدليمي ذنبها الوحيد أنها ترى بعيون سليمة حجم الدمار والخراب الذي حل بالبلد. ولهذا اتمنى ان لا يصدق احد أن الحكومة مشغولة أصلا بالثقافة والفنون، يكفينا إصرارها على أن تبقى الوزارة أسيرة لأمزجة موظفين لا يفرقون بين القانون كآلة عزف، وقانون دولة القانون، ولا تصدقوا أننا في حكومة مدنية تسعى لإشاعة ثقافة التنوير والعدالة الاجتماعية والتسامح، في الضد من ثقافة الكراهية والمحاصصة والطائفية المقيتة، بل نحن نعيش مرحلة تأسيس ثقافة الجلد والرجم لكل من لا يؤمن بشرطة الأخلاق الحميدة التي يجري التاسيس لها بالخفاء وبمباركة وتشجيع حكومتنا الرشيدة. في الدولة المدنية تولى الثقافة اهتماما استثنائيا ويتم اختيار القائمين عليها لأنهم أكفاء، ولهم برامج محددة للنهوض بالوزارة ومؤسساتها، أما في دولة "صولات الحاج" فأن عدم الكفاءة والاستسهال والدوافع الشخصية تضع المسؤول في منصبه لأنه يحمل الصفات السحرية الثلاث أولها انه مقرب من احد رؤساء الكتل السياسية، وثانيها إنه مسالم ولا يثير الشغب ويرضى بالمقسوم، وثالثها يحب أن يرفع شعار "أنا والوزارة في خدمة أولي الأمر والنعمة".في اليوم الأول الذي تم فيه تعيين سعدون الدليمي وزيرا للثقافة استمعت إلى حوار تلفزيوني معه، فوجدت في حديثه طموحات وآمال ومشاريع لترسيخ ثقافة عراقية وطنية، لكن بعد مرور ما يقارب السنتين على هذا الكلام الوردي حصلت أمور كثيرة فقد تولى شؤون بعض مؤسسات الثقافة أناس يمارسون الرقص على كل الحبال، وكانت أفعالهم ومنجزاتهم تختصر في تعيين الأقارب والأصحاب للتحكم في مفاصل مؤسسات الوزارة الرئيسية، واخذ هؤلاء يمارسون مواهبهم في التضليل والتحايل وسرقة المال العام ويتحدثون عن المعجزات والمكاسب والانتصارات ويسبّحون ويسجدون أمام وزراء لم تمس أيديهم يوما كتاباً أو صحيفة، واستطاع هؤلاء المنافقون أن يجمعوا الملايين وان يلوثوا بمواقفهم وأفعالهم تاريخ الثقافة العراقية. للأسف بعدما يقارب السنتين على حديث الوزير عن اشاعة ترسيخ ثقافة وطنية نجد الرجل اليوم مُصر على ان يضع إصبعيه في أذنيه حين تعلو أصوات المثقفين مطالبة بالاهتمام بالثقافة، لأن وحوش المحسوبية والبيروقراطية والمحاصصة الطائفية دائما ما تجهض أحلام المثقفين.هل سأل الوزير نفسه يوما لماذا يترك المثقفين وحيدين تفترسهم أبجديات التعامل الرسمي مع الوزارة باعتبارهم كائنات خطيرة ينظر لها بمنتهى التوجس والريبة، إلا من دخل حظيرة الوزارة جبرا أو اختيارا؟مثل عقلية الجميلي وغيره كثير في أروقة الوزارة، هم سبب جزء كبير من الخراب الثقافي، وأغلب الظن أن العبقري صاحب نظرية "القناديل" يضحك في سره الآن وهو يقرأ هذا الكلام، لأنه مطمئن من أن لا احد سيحاسبه على ما ارتكبه من فعل شنيع بحق كاتبة بحجم لطفية الدليمي. مأساة وزارة الثقافة ربما تلخص مأساة العراق، فهذه الوزارة البائسة هي صورة مصغرة لحكومة أكثر بؤساً وهزالا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram