TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > فـي الشعر العراقي الآن:"كما يرى النائم".. الكتابة في جوهرها الوحيد

فـي الشعر العراقي الآن:"كما يرى النائم".. الكتابة في جوهرها الوحيد

نشر في: 11 سبتمبر, 2012: 06:53 م

علي عبد الأمير عجاميحيل نص "كما يرى النائم" للشاعر عماد حسن، المنشور في العدد الأخير لجريدة "تاتو" (منشورات المدى) إلى فكرتين: الأولى تتعلق بجوهر الكتابة الشعرية، وفيما اذا كانت النصوص العراقية الجديدة قد اتصلت بها أو فارقتها، مثلما تحيل إلى فكرة تتعلق بالشاعر عماد حسن ذاته.
وفي الفكرة الثانية، فانه لا يبدو اسم الشاعر مطروقا في "دائرة الشعرية العراقية" المحكومة ببروغاندا تامة، أكثر مما تحكمها المراجعة النقدية المسؤولة، فلا هو يرد ضمن جوقة جيل الثمانينات ولا جوقة التسعينيات، بل هو ظل على حدة، صوتا متفردا لا في مساره الإنساني وحسب، بل في مساره الشعري الخاص، منذ أن قرأت نصوصه في أيام العمل الثقافي والفكري المعارض لنظام الديكتاتور، والتي جمعتنا معا، وشرفني أنني من خلالها عرفت وتنبهت إلى عماد حسن شاعرا على حدة، خارج الجوقة الشعرية التقليدية، كثيرة الضجيج قليلة الانجاز.. انه صوت متفرد، ولكونه خارج الجوقة، فكان عليه أن يدفع ثمن ذلك، والثمن هنا فخر له وليس هنة تحسب عليه.عماد حسن، كتب الشعر، وما انفك يكتبه، مأسورا بفكرة الكتابة بجوهرها الوحيد: الكشف عن العمق الإنساني في متاهات العيش العراقية، حروبا وموتا، حصارات وفضاضات، هجرات واغترابات، وجدا وشوقا. وليس الموضوع "الصريح" هو ما تصدى له، بل في الأسلوب الذي قارب فيه تلك الأوجاع والشهقات "الصريحة"، فكان أسلوبه واضحا، غير متكلف، لا زوائد لفظية، ولا استعراضات بلاغية، ولا سطو على الآخرين ولا سرقات (عادة ما يزينها نجوم الجوقة بأنها "تناص" تبيحه الكتابة الحداثوية). و "الوضوح" هنا ليس المؤدي إلى "سهولة" البناء اللغوي والصوري والتعبيري عموما، انه يفضي الى "البساطة" والفرق كبير وخارق بين "السهولة" والبساطة".في نصه " كما يرى النائم"، تعبير عال الحساسية انسانيا، لكن دونما استعراضات "الغموض" الفجة التي قتلت الشعرية العراقية في العقود الثلاثة الاخيرة وصارت من لوازمها "الثابتة"، انه يبدأ من نقطة لتتصل بأخرى اصغر وأخرى ادق  وأخرى بالغة الدقة وصولا الى تفصيل يكاد يكون في كثافته، تلخيصا لجوهر الحياة القائم على نسيج العناصر الصغيرة المحتشدة بآلاف المكنونات والمعطيات الفكرية والحياتية ضمن جو عرفاني محض."رأيت ثلاث علامات وسط طريق لم يسلكه أحد قبلي/  كل علامة تؤدي إلى طريق مختلفة / وكل طريق تؤدي إلى بيت أخضر صغير /كربيع نبت على قبة منسية / في كل بيت هنالك حديقة حمراء  /تشبه ثمرة رمان فاجأها النضوج  /وفي كل حبة مدينة لا تنام ولا تصحو / تعيش، كل ساعة، فصولها الأربعة / وكذلك آلاف الأيام التي لا تُرى /ولا تُحس/ ولا تُعاش".هذا التكثيف المكنون للعناصر: علامة تؤدي الى طريق، والطريق الى بيت اخضر كربيع، وفي كل بيت حديقة حمراء،  تشبه ثمرة رمان، وفي كل حبة رمان مدينة لا تنام، لا يبدو متكبرا لجهة اتصاله بما ضرب الله عز وجل مثالاً لنور الإيمان في قلب المؤمن فقال :"مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء". لكن ما عمل عليه الشاعر، وأحسن فيه صنعا، وجعله يتصل روحا مع النص القرآني، ولا يعيد النسج على منواله، انه تولى التفصيل عند كل عنصر قبل مغادرته إلى عنصر آخر متصل به: " فالطريق، جعله " لم يسلكه احد قبلي"، والبيت صار " كربيع نبت على قبة منسية"، وفي حبة الرمان " مدينة لا تنام تعيش كل ساعة فصولها الأربعة وكذلك آلاف الأيام التي لا ترى ولا تحس ولا تعاش". هنا تبدو الأوصاف جوهرية لسببين: إنها تجعل النص متأثرا بروح وضاءة في النص القرآني ولكنها تبعده عن الإحالات المباشرة لما ورد في القرآن الكريم، وتجعله في أزمة معاصرة هي حيرة الإنسان وتشعباته العميقة حتى لتبدو وكأنها أسرار مكنونة في كل حبة من حبات ثمرة الرمان.واتصالا مع هذا التأسيس، يتابع الشاعر عماد حسن " وفي كل مدينة جبل من القمح  /في كل حبة قمح ألف ألف فم /وفي كل فم ألف ألف أغنية / وفي كل أغنية، لا تنتهي / سكون يشبه ما ينقض الأغنية / وفي كل سكون هنالك إشارة  /وكل إشارة تؤدي إلى طريق لن يسلكه أحد بعدي".هنا الفعل الإنساني، يسبغ على الوصف جوهره الحياتي: حبة قمح يقابله فم، والفم تقابله أغنية، والأغنية يقابلها سكون، والسكون تقابله إشارة، والإشارة تؤدي الى طريق، هو ذاته الذي بدأ معه النص :" رأيت ثلاث علامات وسط طريق لم يسلكه أحد قبلي".هنا كنت شخصيا كمتلق ناقد، أن ينتهي النص لاكتماله أي لانتهائه بالنقطة التي بدأ بها، بعد رحلة في العناصر وتفصيلاتها حتى الجزئية منها، في رحلة هي صوغ تعبيري عميق للحياة، بوصفها نسيج من ع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

افتتاح أول مستشفى حكومي في بغداد منذ 40 عاماً

لجنة نيابيّة لـ(المدى): ملف الكهرباء "شائك" ولا بديل عن الغاز الإيراني

الموت يخطف احد كوادر المجلس العراقي للسلم والتضامن

كاساس: بطولة الخليج ودية وفائدتها التعرف على اللاعبين الشباب

العراق يودع خليجي 26 بخسارة ثقيلة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram