نجم واليبغداد عاصمة للثقافة العربية لعام 2013. أمامنا نموذجان للاستعداد لهذه المناسبة. الأول، فردي أطلقه شباب تحت عنوان "أنا عراقي..أنا أقرأ"، المبادرة هذه التي هدفها "خلق جو من الألفة مع الكتاب يبدأ بالكتاب نفسه"، والتي تشجع أيضاً على التبرع بكتاب، لاقت إقبالاً كبيراً من قبل الشباب،
إذ في الأسبوع الأول وبعد إعلان المبادرة في الفيس بوك انضم للحملة 1000 شاب. صحيح أن التجربة هذه سبق وأن انطلقت في تونس وتركيا، لكنها تظل تجربة فريدة من نوعها في العراق، لما يمر فيه من ظروف تعيسة وإرهاب. الشباب يتحدثون اليوم عن النجاح الذي حققوه، خاصة وأن عدد التجمع الأول وصل إلى ثلاثة آلاف شخص قادمين من مختلف المحافظات العراقية، وهو رقم قياسي بالفعل. كرنفال القراءة الجماعية كما أطلق الشباب على احتفائهم الذي سيتم في 29 سبتمبر في حدائق أبو نؤاس على شاطئ دجلة في العاصمة بغداد، سيبدأ من الساعة الثالثة حتى السادسة عصراً، وإذا تحقق الحلم وحضروا جميعهم، فإنهم سيثبتون بأنهم أكبر تجمع مدني في العراق. مبادرة تستحق الإعجاب حقيقة، ولا يسعنا إلا أن نرفع قبعاتنا للشباب هؤلاء الذين باستثناء طلبهم من الأجهزة الأمنية الرسمية أن تحميهم، لم يحصلوا على أي دعم من جهة حكومية أو سياسية. وحسناً فعلوا. الحكومات تأتي وتذهب. الإرهاب يأتي ويزول. وحده الكتاب يبقى. والبذرة التي نثرها شباب الكتاب ستنتج ثمارها بالتأكيد، على عكس النموذج الثاني الذي استعداده للمناسبة محكوم بالفشل مقدماً، ليس لأن بذرته ميتة أصلاً، أو زائفة، أو على أحسن تقدير ليس لأنه لم ينتج طوال السنوات التي مرت غير الديماغوجية والغباء، بل لسبب بسيط: النموذج الرسمي هذا معني بالغنيمة وحسب، بما ستدر عليه المناسبة هذه من أرباح! الأموال التي رُصدت لن تذهب لإنجاز كل تلك المشاريع "الكبيرة" الخاصة بالمناسبة والتي ما تزال على الورق، الأموال هذه ستنتهي إلى الجيوب! (تجربة النجف عاصمة إسلامية لعام 2012 التي أُلغيت هي الدليل). ومن يشك في ذلك عليه أن يعمل جرداً للإنجاز الثقافي للنموذج الرسمي الفاشل هذا الذي يطلق التصريحات الرنانة لا غير. الدولة العراقية وبشكل حكومة شراكتها "الوطنية" الحالية أو الحكومات التي ولت، لكي لا نتحدث عن الحكومات التي تأتي، تنظر للثقافة بازدراء. وإلا هل من المعقول أن دولة في العالم تحترم نفسها يحتل وزير ثقافتها منصب وزير"بالوكالة" للدفاع؟ أو هل من المعقول أن وزيراً للثقافة فيها جاء أصلاً من وزارة للدفاع؟ التفسير المنطقي الوحيد لذلك ليس هو سوريالية الوضع العراقي أو فوضاه، على العكس، إنه تفسير واضح لعسكرة الثقافة العراقية التي بدأت في زمن البعث، وأكملها اليوم نفس الرفاق الذين غنوا للبعث وكتبوا له، تحت ظل حكومة جاءت باسم ديمقراطية قدمتها لهم الدبابات الأميركية على طبق من عسل.المشكلة هي أن النموذج هذا الذي تربى على أخلاق النظام البعثي وصدام، هو الذي يجلس على رقاب الثقافة اليوم ويفصل المشهد الثقافي على مقاسه. بغداد عاصمة للثقافة العربية لعام 2013. كم يبدو العنوان ضخماً وكبيراً. لكن كيف؟ كيف تكون بغداد عاصمة للثقافة وليس فيها دار نشر وسينما ومسرح؟ شوارعها التاريخية ما تزال خرائب ومراكز للأزبال، شارع الرشيد مثلاً؟ لكي تكون بغداد عاصمة للثقافة ومؤهلة لهذا المقام عليها أن تلبي كل الشروط العملية لذلك، أن تكون في حيازتها صالات أدبية، صالات للموسيقى، دار للأوبرا، صالات للسينما والمسرح. كل ذلك غير موجود اليوم في بغداد، وإن وُجد فلا علاقة له بوزارة ثقافة أو دفاع! من يقرأ عن المشاريع والمبالغ التي رُصدت للمناسبة سيضع يده على قلبه. المبالغ الخيالية تتحدث عن طبع 1000 كتاب، عن إنشاء دار للطفل وأخرى للأوبرا، عن إنتاج أفلام سينمائية وعروض مسرحية ونصب تماثيل...أمر غريب، ثلاثة شهور أمامنا حتى عام 2013 ولا برنامج هناك ولا حركة بناء! الواقعية تفرض طبعاً تأجيل الاحتفالية حتى إنجاز كل تلك المشاريع، لكن الواقعية تقول أيضاً، أن الثقافة السائدة في العراق اليوم، هي ثقافة الغنيمة، عام 2013 هو مناسبة واضحة لنهب المال العام. لن يكون هناك 1000 كتاب، لن تكون هناك دار أوبرا، ولن يكون هناك نصب أو تمثال، لا فيلم يُنتج ولا مسرح، لا وفود ثقافية ستُدعى ولا بطيخ. لكن لقول الحق وللإنصاف، الإنجاز الوحيد التي أنجزته "حكومة الشراكة الوطنية" "العظيمة" استعداداً لهذه المناسبة هو إرسالها وحدة عسكرية خاصة في ليلة الرابع من سبتمبر الماضي للهجوم على نادي الأدباء، على نادي السينمائيين، وعلى نوادي النخبة والأقليات في بغداد، تكسير الكراسي وقلب الموائد على رؤوس الجالسين وضربهم وسرقتهم باسم إثم شرب الخمر! أمر لم يفعله حتى صدام، بل لم تفعله حتى إيران، فعلى مدى الثمان سنوات، وطوال حربها مع العراق لم تقصف إيران معملاً للعرق أو للبيرة ذات يوم!يُنشر المقال بالتزامن مع نشره في صحيفة تاتز الألمانية الواسعة الانتشار
منطقة محررة: بغداد 2013 عاصمة للاحتفاء بثقافة الغنيمة
نشر في: 11 سبتمبر, 2012: 06:54 م