TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن: الشيخ النعماني وفتوى "الكشافة "

العمود الثامن: الشيخ النعماني وفتوى "الكشافة "

نشر في: 12 سبتمبر, 2012: 09:56 م

 علي حسينإذا صح الخبر المنسوب إلى الشيخ خالد النعماني عضو مجلس محافظة النجف، فترقبوا كوارث ومهازل جديدة لا يعلمها إلا الله. يقول الخبر: استنكر عضو مجلس محافظة النجف الأشرف الشيخ خالد النعماني المعسكر الكشفي الذي أقيم في محافظة الديوانية الذي ضم عدداً من طلبة محافظات الوسط والجنوب بعد أن تضمن فعاليات غنائية وموسيقية رأى فيها الشيخ أنها تخالف تعاليم ديننا وتقاليدنا،
وأضاف النعماني  أن "الديمقراطية لا تعني الانحلال في الأخلاق خاصة شبابنا وشاباتنا الذين هم عماد المستقبل ويجب علينا جميعا الالتفات إلى هذه الظاهرة الخطرة وتقييمها بما يؤكد قيمنا وعاداتنا المستمدة من ديننا الحنيف وتاريخ شعبنا العظيم وحضارته العريقة". تخيلوا لو أن أولياء أمور هؤلاء الطلبة والشباب، قرأوا أو سمعوا  فتوى الشيخ  النعماني وقرروا منع أبنائهم من المشاركة في النشاطات الطلابية، لماذا نتخيل والفتوى  موثقة في العديد من وسائل الإعلام؟!إذن المطلوب من إدارات المدارس، وربما في مرحلة تالية من وزارة التربية نفسها أن تسأل  كل من يريد أن يشارك في معسكر كشفي: هل أنت تكره الغناء والموسيقى  أم لا؟ فإذا كانت الإجابة لا فلا يمكنه المشاركة في أي نشاط كشفي، لأن الموسيقى والغناء رجس من عمل الشيطان وعلى شبابنا وتلامذتنا أن يجتنبوها درءاً للمفاسد، وتجنباً للمعصية.للأسف بعض السياسيين يريدون أن  يوهموا البسطاء من الناس، المحاصرين بغياب الأمن ونقص الخدمات والبطالة ومعارك السياسيين الهزلية، إن المشكلة الحقيقية  الآن ليست مع سراق المال العام والمزورين والمرتشين وعصابات الإرهاب، وإنما المعركة الحقيقية مع الفرح والحياة والغناء والموسيقى، فهذه الأخيرة بأصوات مطربيها وآلاتهم الموسيقية هي التي أزهقت أرواح الأبرياء، ولم تزهقها عصابات القاعدة وميليشيات أمراء الطوائف، فإن تفرح ويعلو صوتك بالغناء فهذا هو الخراب بعينه. للأسف لو كان أمر تطور الشعوب واستقرارها ورفاهيتها في تنفيذ فتاوى وتوجيهات الشيخ النعماني في محاصرة حرية الناس، لتسيدت مدن مثل مقاديشو وقندهار والخرطوم العالم منذ زمن بعيد، ولأصبحت طوكيو وسنغافورة  وماليزيا في قائمة المدن البائسة والأضعف نموا وتطورا. عندما يقفز البعض  فوق الأشياء ويتحفنا بفتاواه العجيبة، يبدو الأمر كأن ساستنا الأفاضل يتحدثون عن شعب ودولة غير العراق، هذا البلد الذي تأسست به أولى حركة كشفية في المنطقة العربية،  ويخبرنا الأستاذ والمؤرخ نجدت فتحي صفوت في دراسة له بعنوان 'ذكريات عن الحركة الكشفية في العراق'، من أن الملك فيصل الأول كان أول رئيس فخري لها وجعلها جمعية مستقلة، كما أسس في المعارف مديرية سميت مديرية التربية البدنية والكشافة، وعين المرحوم جميل الراوي مفتشا للكشافة في المدارس،  وأوعز بتنظيم بعض الحفلات في إحدى دور السينما لمنفعة جمعية الكشافة العراقية وتلقى فيها الخطب والأناشيد  والأغاني مع تمثيل بعض الفصول، وكانت أمثال هذه الحفلات بادرة جديدة في المجتمع العراقي يومذاك. وعمل المرحوم جميل الراوي على نشر فكرة الكشافة وتشجيعها في في المحافظات، فقام بتأسيس فرقة الكشافة في الموصل وكركوك والبصرة والعمارة.. كان هذا قبل تسعين عاما  حيث كان العراق ينافس بلدان العالم بالأحلام والآمال، لا بالفساد والرشوة والانتهازية، ذلك عصر كان الساسة فيه يريدون للعراق  أن يكون بلداً للتعايش والتسامح والتطور، ولم يكن يدور بخلدهم أن يخرج لهم سياسون  يريدون  تحويل مدن العراق إلى دار للآخرة بعد أن كانت حواضر الدنيا.في العام 1926 عين مصطفى جواد معلماً في إحدى مدارس الكاظمية،  وهناك كتب نشيد الكشافة الذي ظل يردده التلاميذ، ومن أبياته: أمن السعادة أن أكون جمادا..وأروم في هذي الحياة رقادا؟لا ماخلقت لأن أكون مقيدا..وإلى أحافير الردى منقادا سميت كشافاً وإني مصلح... نقص الحياة وناشر إرشادا روحي تعودت اللطافة والعلا...وعليّ ربي بالفضيلة جادا..كم كان جميلا لو أن الشيخ خالد النعماني، ومعه بعض أعضاء مجالس المحافظات  وجهوا رسالة تحية لهؤلاء الفتيان،  وكم كان أجمل لو أنهم  عايشوهم ولو ليوم واحد  في معسكرهم الكشفي. لقد بات واضحاً من أن منطق الخرافة والجهل والجرأة على الإفتاء في كل شيء، واحتقار عقول الناس هي الخلطة التي تحكم تصرفات منظّري مجالس المحافظات الذين هبطوا علينا مثل الضباع الجائعة التي أكلت الأخضر واليابس. مرة أخرى.. أيهما أكثر ضرراً سرقة أموال اليتامى وقتل الأبرياء والرشوة والتزوير، أم حفلات الموسيقى والغناء؟!  أفتونا يرحمكم الله.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram