أحمد عبد الحسين لا أريد التحدث عن الفيلم المسيء للرسول والإسلام، فهو تافه بكل المقاييس، فنياًَ وموضوعياً، رؤية وإخراجاً، سيناريو وتمثيلاً، وهو لا يستحقّ أن يسمى فيلماً إلا بكثير من التجوّز. لكني أرغب في الحديث عن الفساد المالي فيه، فقد قيل أن خمسة ملايين دولار صرفت على هذه "التحفة الفنية"، وقيل أكثر منذ لك. ومن رأى الفيلم يدرك أن خمسمئة دولار فقط وربما أقلّ، كافية لإنتاج فيلم كهذا وتغطية مصاريفه بما فيها أجور الممثلين والمدبلجين الساذجين.
rnالقوة العقائدية تمسك بالأرض من أطرافها، العقيدة دخلت في كلّ شيء وتخللته بحيث بات ممكناً لكلّ إنسان أن يغدو قنبلة عقائدية موقوتة، قابلة للانفجار، فعلياً كما لدى الانتحاريين الإسلاميين أو رمزياً كما يفعل "مثقفو العقيدة". يمكن الآن لشيخ من طائفة ما أن يشتم رموز الطائفة الأخرى صباحاً لتندلع حرب يتفرج عليها هو وأصدقاؤه في الفضائيات مساء، ولن يكلفه إشعال هذه الحرب ناقة ولا جملاً، لا يحتاج فيها إلى ميزانية، كما يمكن لقسّ مخبول بسبب العقيدة أن يتجه للإنتاج السينمائي فيظهر لنا "فيلماً" ديكوره صورة فوتوغرافية للصحراء، وممثلوه كلهم مجهولون، بسيناريو يبدو انه مكتوب قبل التمثيل بدقائق.rnيمكن لأيِّ كان، مهما كان غبياً، أن يقيم الدنيا ولا يقعدها بكلمة، بمقال، بخطبة، بفيلم أو برسم كاريكاتيريّ، بجهد قليل وبشيء من الخفة تندلع حرب طاحنة.rnصانع هذا الفيلم قبض خمسة ملايين دولار، ولم يصرف عشرها على الفيلم، وهذا فساد ماليّ بيّن، لكن من يهتم؟ الخطيب الذي يستوي على المنبر سابّاً الصحابة مثلاً، أو ذاك الذي يشنع على عقائد الطائفة المناوئة لم يصرف شيئاً من الميزانية التي أعطيت له، حرك لسانه بأحاديث نقلها فلان عن فلتان وانتهى الأمر، سمم الهواء ونزل، مصحوباً بإطراء الجالسين: طيب الله أنفاسكم مولانا.rnالعقيدة تعمي وتصمّ أصحابها المؤمنين بها، لكنها عند من يعرف استثمارها جيداً تجارة رابحة، مورد يصلح لأن يجعل المرء غنياً بلمح البصر، أناس هم إمعات وسقط متاع صاروا سياسيين يشار لهم بالبنان بسبب "تمثيلهم" طائفتهم بلسان حادّ، شيوخ صار لهم جمهور كبير لأنهم احتكروا الذب عن طوائفهم حقاً وباطلاً ، والتشنيع على مناوئيهم، ما الذي يبقى من العرعور والحبيب مثلاً لولا الخبال الطائفيّ الذي له جمهور مستعد أن يموت قرابين لوهمه المقدس؟rnالفيلم الذي مات بسببه أناس، عرب وأمريكان، جلب لصاحبه خمسة ملايين دولار، وسيجلب له أكثر، كما الأفلام الكثيرة والخطب والتصريحات والمقالات التي أخرجها ساسة وشيوخ ورجال عصابات ومثقفون محبون لطوائفهم كارهون لطوائف سواهم، وسقط فيها عشرات الآلاف، كانت وما زالت منجم ذهب لأصحابها الذين لا يفعلون شيئاً سوى أن يحركوا ألسنتهم فتشتعل نار يحترق بها أناس مؤمنون صادقون مصدقون. rn
قرطاس:الأرض.. قنبلة عقائدية
نشر في: 14 سبتمبر, 2012: 07:21 م